بحور النسيان
سالت فتاة صديقتها كيف حالك بعد الوعكه النفسية التى كنت بها
اجابت انا بخير لاني اريد ان اكون بخير
لقد رميت جميع همومي في بحور النسيان
فسألتها: وكيف استطعتِ ذلك؟
ابتسمت الصديقة بهدوء وقالت: أدركت أن التمسك بالهموم يشبه حمل الصخور على ظهري، فألقيت بها واحدة تلو الأخرى في بحرٍ لا قرار له. تعلمت أن الماضي مجرد موجة مرت، وأن الحياة تستحق أن نعيشها خفافي القلوب.
أردت أن أكون بخير، فصنعت سلامي الداخلي بيدي. كل ألم، كل ذكرى مؤلمة، كل شعور بالعجز، أبحرت به بعيدًا حتى اختفى عن الأنظار. لم يكن الأمر سهلًا، لكنه كان اختياري.
الفتاة نظرت إليها بإعجاب وسألت: وهل البحر حقًا يتسع لكل هذا؟
ضحكت الصديقة وقالت: البحر يتسع لكل شيء، لكنه يعيد لك ما تودع فيه؛ إن زرعت فيه الأمل، ستجده في كل موجة. وإن ألقيت همومك، فلن تعود إلا حين تناديها.
تأملت الفتاة كلام صديقتها وقالت: لكن ماذا عن الأوقات التي تهاجمنا فيها الذكريات دون استئذان؟ ماذا لو عادت تلك المشاعر بثقلها، رغم كل ما ألقيته؟
ابتسمت الصديقة، وقد ازدادت ملامحها يقينًا، وقالت: الذكريات، يا عزيزتي، كالأمواج. أحيانًا تهدأ، وأحيانًا تثور. لكنني تعلمت ألا أقاومها. عندما تأتي، أستقبلها بهدوء، أنظر إليها كمن يشاهد فيلماً قديمًا. لا أحاكمها ولا أعيشها مجددًا، فقط أراقبها حتى تنحسر بنفسها.
وأضافت: السر ليس في منع الذكريات من العودة، بل في تغيير علاقتك بها. كنت أهرب منها سابقًا، أما الآن فقد أصبحت مجرد جزء من حكايتي، وليست حاضري. والأهم أنني لم أعد أسمح لها بسرقة لحظات سعادتي.
هنا، شعرت الفتاة براحة غريبة تسري في قلبها، وقالت: أظن أن الوقت قد حان لألقي أنا أيضًا بحمولي في بحر النسيان.
ردت الصديقة بابتسامة دافئة: وأرجو أن تسمعي حينها صوت الحرية، الذي يشبه نسيم البحر في أول صباح جديد.
تعليقات
إرسال تعليق