لا يوجد عبث في الحياة
لا يوجد شيء عبثي في الحياة، حتى تلك اللحظات التي تبدو لنا بلا معنى، أو الأوقات التي نشعر فيها بالضياع والتشتت. كل شيء يتحرك وفق نظام دقيق، ربما لا نراه أو نفهمه في حينه، لكن الحياة دائمًا تسير بخطى ثابتة نحو غايات محددة.
نحن نعيش وسط تفاصيل يومية تجعلنا نغفل عن الصورة الكبيرة، عن هذا “السستم” الذي يحكم كل شيء، سواء في الطبيعة أو في حياتنا الشخصية. كل عقبة تواجهنا، كل لحظة سعادة أو حزن، هي جزء من هذا النظام المعقد الذي يتجاوز فهمنا السطحي. قد نظن في لحظات أننا نواجه عشوائية، لكن حين نبتعد قليلاً، نرى كيف أن كل حدث، مهما بدا صغيرًا أو بلا قيمة، يساهم في تشكيل مسار حياتنا.
ربما المشكلة تكمن في جهلنا بهذا النظام، في عدم قدرتنا على رؤية الصورة الشاملة. نحن نغرق في التفاصيل وننسى أن الحياة تأخذنا حيث يجب أن نكون. نبحث عن إجابات فورية، عن تفسيرات لكل ما يحدث، بينما قد تكون الحكمة في الانتظار، في الاستسلام لهذا التيار الذي يعرف أين يأخذنا.
الأشخاص الذين نقابلهم، القرارات التي نتخذها، حتى الأخطاء التي نرتكبها، كلها تعمل ضمن هذا النظام الأكبر، تساهم في تشكيل شخصياتنا وفي صنع مستقبلنا. نحن فقط لا ندرك أحيانًا كيف تتشابك هذه الخيوط لتنسج قصتنا.
وربما يكون الحل ليس في محاولة فهم كل شيء في لحظته، بل في الثقة بأن هناك تدبيرًا خفيًا يتجاوز معرفتنا المحدودة.
وعندما ندرك أن كل شيء يسير وفق نظام أكبر مما نتصور، نبدأ في التعامل مع الحياة بوعي أعمق. نتوقف عن القلق المستمر حيال المستقبل، أو عن محاولة التحكم بكل صغيرة وكبيرة. ندرك أن حتى لحظات الفشل أو الألم جزء من هذا “السستم” الذي يقودنا نحو التطور والنضج.
نبدأ برؤية الحياة كتجربة متكاملة، مليئة بالدروس التي قد لا نفهم مغزاها في لحظتها، لكننا نثق أن لها دورًا أساسيًا في تكويننا. قد تأتي الفائدة في وقت لاحق، حين ننظر إلى الوراء وندرك كيف أن تلك الأحداث التي ظنناها عبثية كانت في الحقيقة محطات ضرورية.
الطبيعة نفسها تقدم لنا أمثلة على هذا النظام الخفي. الأشجار تتساقط أوراقها في الخريف لتستعد لمواسم جديدة من النمو، والأنهار تجري في مساراتها الطبيعية، تحمل معها كل ما يعترض طريقها لتصب في المحيطات الواسعة. هذا التوازن موجود في كل شيء من حولنا، وإن بدا أحيانًا غير مرئي.
ربما ما نحتاجه ليس الفهم الفوري لكل ما يحدث، بل الصبر والإيمان بأن كل ما نمر به هو جزء من خطة أكبر. هذا “السستم” يعمل لصالحنا، حتى لو بدا أنه يعاكس رغباتنا أحيانًا. الأشياء التي نعتبرها خسائر، أو التحديات التي نظنها قاسية، قد تكون في الحقيقة بوابات تفتح لنا مسارات جديدة لم نكن لنكتشفها بغيرها.
في النهاية، قد لا نتمكن من رؤية الخيوط التي تربط بين كل تفاصيل حياتنا، لكننا يمكننا أن نثق بأن هناك نسيجًا يتشكل، وأن كل خطوة، كل حدث، وكل تجربة، تساهم في نسج هذا النسيج بحكمة لا ندركها في لحظتها.
تعليقات
إرسال تعليق