أحيانًا، يعتقد البعض أن طلب التغيير من الشريك هو أمر ضروري لنجاح العلاقة، لكن في الحقيقة، الشراكة الحقيقية تبدأ عندما نتقبل الشريك كما هو، بعيوبه وميزاته، دون محاولة تغييره ليتناسب مع الصورة المثالية التي رسمناها. فالاستمرار في طلب التغيير يعني أننا ننظر إلى الشريك وكأنه “غير مكتمل” أو “ليس كافيًا”، وهذا يُشعره بعدم الأمان، كما يولّد بيننا حاجزًا يصعب تجاوزه.


لنأخذ مثالًا عن شخص يتمنى لو كان شريكه أكثر اجتماعية، أكثر انفتاحًا في المناسبات. ربما يكون الشريك بطبيعته انطوائيًا أو لا يحب الحشود، ويشعر براحة أكبر في الأجواء الهادئة. إذا استمر الشريك الآخر بالضغط عليه للتغيير، سيشعر أنه مرفوض كما هو، وأنه غير مقبول إلا بشروط. هذا قد يدفعه للانسحاب أو التصنّع، مما يقتل العفوية ويخلق تباعدًا بدلًا من تقارب حقيقي.


وفي مثال آخر، ربما يكون الشريك حالمًا، مليئًا بالأفكار والطموحات التي لم تتحقق بعد، بينما الشريك الآخر عمليّ ويرى أن عليه تغيير طريقة تفكيره ليكون أكثر واقعية. هذا الاختلاف، إن لم يُحترم، يتحول إلى محاولة لإجبار الشخص على ترك طبيعته وأحلامه ليصبح شخصًا آخر، وهذا أمر يؤثر على شعوره بقيمته واستقلاليته، ويجعله يشعر أنه مضطر لأن يتخلى عن ذاته.


التغيير لا يكون حقيقيًا إلا إذا جاء من قناعة ذاتية، من رغبة صادقة بالتطور والنمو. أما الضغط للتغيير فهو قناع زائف، وإن بدا ناجحًا مؤقتًا، إلا أن آثاره تترك ندوبًا في روح الشريك. الشراكة الناجحة تُبنى على قبول الشخص الآخر كما هو، دون تعديل، لأننا في النهاية جميعًا بشر بعيوبنا وتناقضاتنا، وما يجعلنا مميزين هو اختلافاتنا وتفرّد شخصياتنا.


عندما نقبل الشريك كما هو، نعطيه المساحة ليكون هو نفسه، ليتصرف بعفوية وبدون خوف من الأحكام. وبدلًا من محاولة تغييره، يمكن أن يكون الحب نفسه دافعًا للتغيير من تلقاء ذاته، تغيير ينبع من الحب، من رغبة في أن يكون شخصًا أفضل لأجل نفسه ولأجل من يحب، وليس نتيجة ضغط أو حكم عليه.


عندما نمنح الشريك حرية التعبير عن ذاته دون فرض توقعات مسبقة أو أحكام، نخلق بيئة صحية تُغذي العلاقة، وتسمح بنموها الطبيعي. الحب الحقيقي يكمن في رؤية الشريك كإنسان كامل، مستقل، ومتفرّد بذاته، لا مجرد انعكاس لرغباتنا أو طموحاتنا. فكلما شعر الشريك بالقبول التام، زاد انفتاحه واستعداده للتواصل، وهنا يكمن جوهر الشراكة الحقيقية.


دعونا نتخيل مثالاً آخر: شخص يطلب من شريكته أن تكون أكثر تنظيمًا، ويظل يكرر ملاحظاته بشأن ترتيب الأمور وطريقة إنجازها، رغم أنها بطبيعتها مرنة وتعتمد على الحدس أكثر من الترتيب المسبق. هذا التكرار قد يدفعها للشعور بأنها لا تُقدّر كما هي، بل وكأن هناك دائمًا “نقصًا” ما يجب أن تُعوضه. لكن إذا بدلًا من ذلك قرر أن يقبل أسلوبها ويحتضن طريقتها الفريدة، فقد يجد أنها تجلب إبداعًا ومرونة لم يكن ليكتشفهما لو استمر في فرض توقعاته.


وكما في هذا المثال، كلما زاد القبول، تحول التعايش إلى انسجام أعمق، حيث يُصبح التغيير غير ضروري بقدر ما هو تعبير عن حبّ غير مشروط. التغيير الناجم عن الحب، بدلاً من الإجبار، غالبًا ما يكون أعمق وأصدق، لأنه لا ينبع من شعور بعدم الكفاية، بل من رغبة في النمو والمشاركة.


التقبّل الصادق لا يعني التغاضي عن الأمور التي قد تكون مؤذية أو مدمّرة، بالطبع. هناك دائمًا حد بين الحبّ والاحترام. فإذا كان هناك سلوك ضار بالعلاقة أو بالثقة، هنا تأتي أهمية التواصل بصدق، لا لفرض تغيير، بل لإيجاد حلول مشتركة تتماشى مع راحة واحتياجات الطرفين.


في نهاية المطاف، عندما نختار أن نحب الشريك كما هو، نختار أن نرى جماله الحقيقي بكل تفاصيله، ونعطي لأنفسنا أيضًا الحرية للتواجد كما نحن، بدون قناع. هذا القبول المتبادل يُمكن أن يقود إلى حالة من الانسجام تتجاوز حدود الأحكام والرغبات الشخصية، وتصبح العلاقة أكثر عفوية وإلهامًا.

تعليقات

مرآة الأسرار: رحلة نحو النور

مرآة الأسرار: رحلة نحو النور

لا تخافي يا بنتي