دعوة للتعافى
الأغلبية تحاول التعافي من جراح غير مرئية، بعضها متراكم من الماضي، وبعضها وليد اللحظة. كل منا يحمل في داخله شيئًا يحاول تجاوزه؛ البعض يعافر، يكافح بكل ما أوتي من قوة، يقاوم الإنكسار، يتمسك بالأمل حتى وإن كان خيطًا رفيعًا. هؤلاء يؤمنون بأن التعافي ليس مجرد حالة بل رحلة، رحلة مليئة بالعثرات والمطبات، لكنهم مصممون على السير قدمًا مهما كانت العقبات.
البعض الآخر، تراه قد أرهقه التعب، يحاول جاهدًا، لكنه يقترب من اليأس، يسأل نفسه في صمت: هل يستحق الأمر كل هذا العناء؟ هؤلاء ربما يقفون عند حافة الانهيار، تنتابهم لحظات ضعف، وربما يحتاجون إلى يد تمتد إليهم، تُعيد إليهم الثقة التي فقدوها.
ثم هناك من ينظر إلى اللا شيء، وكأنهم فقدوا كل إحساس، لا حزن ولا فرح، فقط فراغٌ كبير. هؤلاء قد يكونون قد استسلموا للصمت، لا يعرفون إن كانوا سيعودون للحياة مرة أخرى أم أن الفراغ سيظل يبتلعهم.
وسط كل هذا، تجد نفسك تتأمل، تراقب هذه الأرواح، وكلٌ في طريقه، كلٌ يحمل أعباءه في صمت أو صخب. وتساءلت: هل نحن جميعًا في حالة تعافٍ مستمر؟ هل الحياة بأكملها رحلة للتغلب على شيء ما؟ ربما يكمن الجمال في تلك الرحلة، في المحاولة المستمرة، حتى لو كانت نهايتها مجهولة.
ومع استمرار التأمل في هذا المشهد، أدركت أن كل شخص يسير في طريقه الخاص نحو التعافي، حتى وإن لم يكن ذلك واضحًا. البعض يختار الصمت كوسيلة للهروب أو المواجهة، بينما البعض الآخر يتحدث عن ألمه علّه يجد في الكلمات شفاءً، وآخرون قد لا يجدون في الحياة ما يستحق العناء في لحظاتهم المظلمة.
لكن هناك جانباً خفيًا في التعافي، إنه تلك اللحظات الصغيرة التي لا نلاحظها. تلك التي تتسلل إلى أيامنا على هيئة ضحكة غير متوقعة، أو إحساس بالراحة بعد ليلة مضطربة، أو حتى فكرة جديدة تعيد تشكيل رؤيتنا للحياة. ربما تلك اللحظات هي التي تدفعنا إلى الأمام، حتى وإن كنا غير واعين لها.
ومع كل هذا، يظل هناك شعور مشترك، حتى وإن لم يكن معلنًا: الرغبة في السلام الداخلي. نحن نبحث عنه جميعًا، بطرقنا المختلفة. البعض يجده في الصبر والكفاح، والبعض في قبول الواقع كما هو، والبعض في إعادة اكتشاف نفسه بعيدًا عن كل ما جرحه.
وأدركت أن الحياة، رغم صعوباتها، هي دعوة مستمرة للتعافي، ليس من حدث واحد أو مشكلة معينة، بل من كل ما يمر بنا، من كل ما يترك أثرًا داخلنا. ربما التعافي ليس غاية نصل إليها، بل حالة نستمر في السعي إليها، نتغير وننمو معها.
وربما، فقط ربما، في هذا السعي، نجد أنفسنا أكثر قوة، وأكثر فهمًا لأنفسنا وللآخرين، وندرك أن كل خطوة، مهما بدت صغيرة أو غير مجدية، تقربنا شيئًا فشيئًا من شفاء لا نرى حدوده بعد.
تعليقات
إرسال تعليق