الانتظار عند محطه القطار

 طال انتظاري عند محطه القطار  فتره انتظاري بدات أراقب الركاب منه من كان متحمس وآخر الوجه متهجم بالغضب والآخر  يلفه الحزن وأطفال يثرثرون بسعادة اكمل باسلوبي انا 


وأنا أنتظر، شعرت أنني أعيش قصصًا مختلفة تمر أمامي. كان الركاب يعبرون بوجوههم وحركاتهم عن مشاعر لا حصر لها. لم يكن فقط مجرد مكان انتظار، بل أصبح مشهدًا حيًّا لمشاعر البشر.


كان هناك شاب يقف بترقب وابتسامة خفيفة، يبدو وكأنه ينتظر لقاءً طال انتظاره. على الجانب الآخر، رأيت رجلًا بتجاعيد تظهر بوضوح على وجهه، عيناه غارقتان في نظرة عميقة من الغضب أو ربما الإرهاق، وكأنه يحمل على كتفيه ثقل سنوات من العمل والمشقة.


امرأة أخرى، كانت جالسة بعيدة، عيناها تائهتان في نقطة لا أحد يعرفها، يكسوها حزن عميق، وكأنها تحمل وجعًا لم يتداوى بعد. بجانبها كانت هناك أمّ مع أطفالها، يثرثرون بسعادة ويضحكون، يلمعون بالبراءة والحيوية، غير مدركين للعالم من حولهم وكأنهم يعيشون في عالمهم الخاص.


في هذه اللحظات، شعرت بأني لا أراقب مجرد مسافرين، بل أرى قطعًا من الحياة تتجلى أمامي. كل وجه، كل حركة، كل نظرة، هي قصة بحد ذاتها.


كلما طال انتظاري، غرقت أكثر في ملاحظة هؤلاء الغرباء. وكأن محطة القطار تحوّلت إلى مسرح، كل واحد من هؤلاء الركاب يؤدي دوره الخاص، بدوافعه وأحلامه وأحزانه.


ذلك الشاب المتحمس، عاودت النظر إليه أكثر من مرة. كان يحمل هاتفه بين يديه، يبتسم كلما أضاءت شاشته برسالة، ويتلفت بين الحين والآخر كأنه يتوق لرؤية شخص محدد يقترب. ربما ينتظر حب حياته؟ أو صديقًا غائبًا منذ زمن؟ تملكتني رغبة في معرفة قصته، في الاقتراب منه وسؤاله عن سر تلك النظرة التي تجمع بين الشوق والتفاؤل.


أما الرجل الغاضب، فكان يمشي بخطوات سريعة، وكأنه يريد التخلص من أي أحد يقترب منه. يضغط على حقيبته بإحكام، ويكاد يلتهم الأرض بنظراته القاسية. تساءلت ما الذي أثار غضبه بهذا القدر؟ هل هو تأخر القطار؟ أم أن هناك أمرًا في حياته يرهقه ويفقده صبره؟ بدا لي أن غضبه هذا ربما كان موجهًا للعالم بأسره، وليس فقط للمحطة.


وتلك المرأة الحزينة، ما زالت عيناي تتبعانها دون قصد، جذبتني إليها كأنها مغناطيس. كانت شاردة في أفكارها، لا تعبأ بما حولها، وكأنها وحيدة في عالمها الخاص. ربما فقدت شخصًا عزيزًا، أو أنها تمر بفترة صعبة لا تجد منها مفرًّا. تعابير وجهها كانت غارقة في الحزن، ورغم ازدحام المحطة، كان حولها مساحة من الصمت، كأن الجميع يترك لها مجالًا لتحزن في سلام.


وبين هذه المشاعر المتفاوتة، كان هناك عالم الأطفال، حيث الضحكات والهمسات والمشاغبات. الأطفال كانوا في عالمهم الخاص، يركضون ويتحدثون ويضحكون، وكأن المحطة ملعبهم الخاص. سحرني اختلافهم عن البقية، خفتهم وفرحهم، وكأنهم بلا هموم، يعيشون اللحظة بتلقائية وسعادة. كان كل ضحكة من ضحكاتهم تشعرني بأن الحياة مهما أثقلتنا، ما زالت تحمل لنا لحظات من الجمال والفرح.


رأيت في هذا التنوع لوحة مليئة بالألوان، كل شخص يحمل لونًا مختلفًا، لونًا يعبر عن حالته ومشاعره، يجتمعون جميعًا في مكان واحد، يتقاسمون تلك اللحظة من الانتظار، ولكل منهم هدف ووجهة وحكاية.


وأثناء تأملي لكل هذه الوجوه، شعرت وكأنني أعيد اكتشاف الإنسان في كل هؤلاء الغرباء. أدركت أن محطة القطار لم تكن مجرد مكان عابر، بل كانت مرآة للحياة بكل تقلباتها؛ فرح وحزن، شوق وملل، صبر وغضب. وفي تلك اللحظة، شعرت بسلام داخلي، بأنني لست وحيدة في مشاعري، بل نحن جميعًا نعيش وننتظر، نحمل قصصنا وأحلامنا، نتشارك لحظات من الزمن، ولو في صمت.

تعليقات

مرآة الأسرار: رحلة نحو النور

مرآة الأسرار: رحلة نحو النور

لا تخافي يا بنتي