توسل طفل
وأنا أسير بجانبهم، كان صوت بكاء الطفل يملأ المكان، يتوسل لأمه بلهفة: “أرجوكِ، أمي، لا تفعلي!” كانت نظراته ممتلئة بالخوف والرجاء، وكأنه يعرف أن هناك شيئًا على وشك الحدوث، شيء لا يريد مواجهته. لكن الأم كانت تمسك بيده بقوة، عيناها تعكسان حزمًا لا يتزحزح.
توقفت قليلًا، مترددًا بين الاستمرار في طريقي أو التقدم لمعرفة ما يحدث. كان المشهد مؤثرًا، مليئًا بالتوتر والصراع. بدت الأم وكأنها تقاتل مشاعرها الداخلية، غير مكترثة لتوسلات الطفل، ربما ظنت أن ما تفعله لصالحه، وأن صراخه لن يغير من قرارها شيئًا.
واصل الطفل توسله، محاولًا جذب انتباهها بعبارات لا تحمل إلا البراءة والحيرة. تساءلت في داخلي: ما الذي يدور في ذهنها؟ هل تشعر بوجعه كما يشعر هو؟ هل هي حقًا مضطرة لاتخاذ هذا الموقف الحاد؟
كأن الوقت توقف للحظات، بينما عقلي يترجم كل تلك المشاعر المتداخلة بين الأم وطفلها. ثم تذكرت كيف أن القرارات الأبوية، رغم صعوبتها، تحمل أحيانًا أحمالًا من الحنان الخفي، ذلك الحنان الذي لا يراه الطفل في لحظته ولكنه قد يدركه لاحقًا.
ظللت أراقب الأم والطفل، متسائلًا عن القصة التي لم تُروَ بعد، عن تفاصيل حياتهما التي أدت إلى هذا المشهد المؤلم. الأم لم تكن قاسية، رغم حزمها الظاهر. كان في عينيها بريق من القلق، وكأنها تخشى ما هو آتٍ، ولكنها مجبرة على اتخاذ هذا القرار الصعب. ربما كانت تحاول حماية طفلها من شيء لا يستطيع هو أن يدركه بعد، شيئًا يتجاوز بكاءه وتوسلاته.
الطفل كان يتشبث بها، يظن أن بكاءه سيغير الموقف، لكن الأم ظلت ثابتة، قلبها ربما يئن بصمت. وربما كان لديها أسباب لا يمكن تفسيرها في تلك اللحظة. وقفت مشدوهًا أمام هذا الصراع بين الحنان والحزم، بين رغبة الطفل في الحصول على الراحة الفورية وحاجة الأم إلى اتخاذ خطوات قد تكون في مصلحته على المدى البعيد.
أدركت حينها أن الحياة مليئة بمواقف مشابهة، حيث نجد أنفسنا عالقين بين مشاعر متناقضة، نحاول التوفيق بين ما نريد وبين ما نعتقد أنه الأفضل. وبينما واصلت السير، ظل صوت بكاء الطفل يرن في أذني، وتلك النظرة الحزينة على وجه الأم تسكن ذاكرتي، تذكيرًا دائمًا بأن بعض القرارات، مهما بدت قاسية، قد تكون ضرورة لا يفهمها إلا الزمن.
تعليقات
إرسال تعليق