ثورة البحر
كنت اتامل البحر وجدته هائج ثائر حاولت تهدئته لكن بدون جدوى فكرت
قليلا لماذا هاج بهذه الطريقه فربطت بينه وبين الانسان الغضوب
فكرت للحظة أن البحر يشبه الإنسان الغضوب في لحظات انفجاره. كلاهما يثور عندما تتراكم الضغوط داخلهما إلى درجة لا يمكن السيطرة عليها. تماماً كما تغلي الأمواج وتعلو بفعل الرياح والتيارات الخفية، يغلي الإنسان عندما تتراكم داخله مشاعر الغضب والألم. البحر لم يهيج من تلقاء نفسه، بل بسبب الظروف المحيطة به، وكذلك الإنسان، نادراً ما يكون الغضب وليد لحظة واحدة، بل هو نتاج مشاعر مكبوتة لفترة طويلة.
حاولت تهدئة البحر بكلماتي، لكن أدركت أنه لا يسمعني. تماماً كالغضوب، حين يصل إلى ذروة غضبه، لا يستمع لأي نصيحة أو محاولة تهدئة. كنت واقفة على الشاطئ، عاجزة أمام قوته. أدركت في تلك اللحظة أن الغضب، تماماً مثل البحر الهائج، يحتاج إلى أن يأخذ مجراه، أن يفرغ طاقته قبل أن يعود إلى حالته الهادئة.
لكنني أيضًا فكرت في شيء آخر: بعد كل العواصف، يعود البحر إلى هدوئه. مهما كانت الأمواج عنيفة، تهدأ في النهاية. وكذلك الغضب في الإنسان، بمجرد أن يجد له متنفسًا ويأخذ وقته، يختفي تدريجيًا ويعود الشخص إلى هدوئه الداخلي. هذا التماثل بين البحر والإنسان علمني درساً: بدلاً من محاولة السيطرة على غضب الآخر أو غضبي الخاص، ربما يجب أن أمنح الوقت والفرصة للتفريغ، وبعدها يأتي الهدوء الذي لا يمكن فرضه بالقوة.
في النهاية، البحر مثل الإنسان، يحمل في أعماقه أسراراً وعواطف قد لا نراها من السطح، وعلينا أن نفهم أن لكل ثورة سبباً، ولكل غضب حلاً، لكن الحل لا يكون دائمًا في التهدئة المباشرة، بل في الفهم والتفهم.
وأثناء تأملي لتلك الأمواج الهائجة، شعرت أنني أتعلم درساً عميقاً عن النفس البشرية. تمامًا كما البحر لا يمكن أن يُهدأ بالقوة، كذلك النفس البشرية. عندما يحاول الإنسان كبت مشاعره أو غضبه بدلاً من التعامل معه بشكل صحي، يكون كالبحر الذي تضغط عليه الرياح من كل جانب حتى يثور. الغضب، مثل الأمواج، يأتي من الداخل، وليس مجرد انعكاس للظروف الخارجية.
فكرت أكثر في الإنسان الغضوب. أحياناً يكون الغضب صرخة لطلب الاهتمام، طريقة للتعبير عن مشاعر عميقة مثل الخوف، الإحباط، أو حتى الحزن. وكما أن البحر لا يعبر عن غضبه بلا سبب، كذلك الإنسان. لكن، تماماً كما لا يمكنني تهدئة البحر بمجرد الحديث إليه، لا يمكن تهدئة شخص غاضب بإجباره على الاستماع أو الامتثال. الهدوء لا يأتي إلا عندما يجد الشخص مساحة للتعبير عن مشاعره والتعامل معها بطريقة طبيعية.
بدأت أفهم أنني، كإنسان، أحتاج أن أتعامل مع مشاعري بنفس الطريقة التي أتعامل بها مع البحر. أن أسمح للعواطف بأن تأخذ مجراها، لكن دون أن أسمح لها بالتحكم في حياتي. الغضب يمكن أن يكون قويًا ومدمرًا إذا لم يتم التعامل معه بشكل صحيح، لكنه أيضًا قوة يمكن أن تُستخدم بطرق إيجابية إذا أدركنا سببه وأعطيناه المساحة الكافية للتفريغ.
ربما ما يحتاجه الغضوب هو التفهم، أن يشعر بأن أحدًا يفهم مشاعره دون أن يحاول إصلاحه بالقوة. كما أن البحر يعود إلى هدوئه بعد العاصفة، فإن الإنسان الغاضب يحتاج إلى وقت ومكان ليهدأ. ومن خلال هذه العملية، نتعلم كيف نحترم تلك القوة الداخلية دون الخوف منها، بل بتوجيهها نحو النمو والتغيير الإيجابي.
في النهاية، أدركت أن كل عاصفة، سواء في البحر أو في النفس البشرية، هي جزء من دورة طبيعية. العواصف لا تدوم إلى الأبد، لكن ما نحتاجه هو الصبر والتفهم أثناء مرورها. كما أنني لا أستطيع إيقاف أمواج البحر بيدي، لا يمكنني السيطرة على عواصف الغضب في الآخرين أو في نفسي، لكن يمكنني أن أكون مرنة وأتعامل معها بفهم وهدوء.
تعليقات
إرسال تعليق