التسامح لا يعني تبرير سلوك الشخص الذي أساء إليك أو نسيان ما فعله، بل يعني التصالح مع ما حدث. عندما تسامح، لا يعني أنك تسمح لهذا الشخص بإيذائك مجددًا أو تتجاهل جروحك. بل على العكس، التسامح هو الاعتراف بالألم الذي شعرت به والتصالح معه دون أن تدعه يتحكم في حياتك.
المسامحة تتعلق بالتخلي عن مشاعر الاستياء والمرارة التي تحملها، لأن استمرارك في حملها يعيق شفائك وتقدمك في الحياة. هذا لا يعني أنك تنكر الألم الذي عشته، بل يعني أنك تدرك أن التمسك به لن يفيدك بعد الآن.
مثال: تخيل أنك تعرضت لخيانة من صديق مقرب. التسامح هنا لا يعني أنك تنكر ما فعله أو أنك تستمر في الوثوق به كما كان من قبل. لكنه يعني أنك تعترف بالألم، وتسمح لنفسك بالشعور بالحزن، ثم تتخذ قرارًا بعدم السماح لهذا الجرح بالسيطرة على حياتك. قد تقرر قطع العلاقة أو إعادة بناء الثقة، لكن في كلتا الحالتين، تكون قد حررت نفسك من عبء الاستياء.
المسامحة هي هدية تمنحها لنفسك. إنها الطريقة التي تتخلص بها من قيود الماضي وتسمح لنفسك بالعيش بحرية في الحاضر. عندما تسامح الآخرين وتسامح نفسك، فإنك تفتح الباب أمام السلام الداخلي والسعادة.
مثال آخر: قد يكون هناك خطأ ارتكبته في الماضي وتلوم نفسك عليه. بدلاً من الاستمرار في جلد الذات، التسامح مع نفسك يعني أنك تتعلم من التجربة، تعترف بالخطأ، وتترك الشعور بالذنب خلفك. هذا يمنحك فرصة للنمو والتحسن بدلاً من الوقوع في دائرة اللوم.
بالتالي، التسامح ليس عن الآخرين فقط، بل هو بشكل أساسي عنك وعن سلامك الداخلي.
التسامح لا يتعلق فقط بالتخلص من الألم الناتج عن تصرفات الآخرين، بل يمتد ليشمل التسامح مع النفس أيضًا. إن الاعتراف بالأخطاء التي ارتكبناها وتعلم كيفية مسامحة أنفسنا هو جزء أساسي من النمو الشخصي. قد نشعر بالذنب أو الخجل بسبب قرارات أو تصرفات قمنا بها في الماضي، لكن التمسك بهذه المشاعر يعرقل تقدمنا.
التسامح مع النفس:
عندما تسامح نفسك، فإنك تعطي نفسك الإذن للتعلم من أخطائك بدلاً من الوقوف عندها. التسامح الذاتي يعني الاعتراف بأنك إنسان قد تخطئ، ولكن هذه الأخطاء لا تعرّفك أو تحدد قيمتك. بدلاً من ذلك، هي فرص للتعلم والنمو.
مثال: تخيل أنك اتخذت قرارًا كان له تأثير سلبي على حياتك أو حياة من حولك. ربما تشعر بالندم أو تلوم نفسك لفترة طويلة. التسامح هنا لا يعني تجاهل الخطأ، بل يعني أنك تدرك ما حدث، تفهم لماذا اتخذت هذا القرار في ذلك الوقت، وتتعلم منه. هذا يسمح لك بالمضي قدمًا بشكل أفضل، دون حمل مشاعر الذنب التي تثقل كاهلك.
التسامح كتحرر شخصي:
التسامح هو أداة للتحرر. عندما نغفر للآخرين أو لأنفسنا، نحن نحرر أنفسنا من عبء العواطف السلبية التي نعيشها. العيش مع الاستياء والغضب يشبه حمل ثقل غير مرئي، يمنعنا من الشعور بالسلام الداخلي.
مثال: قد تكون في حالة من الغضب تجاه شخص أخطأ في حقك منذ سنوات. كلما تذكرت الموقف، تشعر بالألم وكأن الجرح لا يزال حديثًا. بمجرد أن تتخذ قرار التسامح، تبدأ في إطلاق هذا الغضب وتستعيد قدرتك على العيش في الحاضر. التسامح هنا ليس لصالح الشخص الآخر، بل هو هدية لنفسك. إنه يتيح لك الابتعاد عن الماضي والتركيز على الحاضر والمستقبل.
التسامح كخطوة نحو الشفاء:
عملية التسامح تفتح الباب أمام الشفاء العاطفي. بمجرد أن تقرر مسامحة شخص أو نفسك، تبدأ في تحرير طاقاتك العاطفية التي كانت محاصرة في مشاعر الحزن والندم. هذا الشفاء لا يأتي بين عشية وضحاها، بل هو عملية تدريجية، تتطلب منك التعامل مع مشاعرك وفهمها.
مثال: إذا كنت قد مررت بتجربة مؤلمة، كخيانة من شريك أو صديق، فإن الشعور بالخيانة قد يستمر لفترة طويلة. لكن عندما تقرر مسامحة الشخص، فإنك تعطي لنفسك الفرصة للشفاء. قد لا يعني هذا أنك تعود لنفس العلاقة أو الثقة السابقة، ولكنه يعني أنك لم تعد تحمل هذا الألم في قلبك.
التسامح لا يعني السماح بالتكرار:
من المهم أن نفهم أن التسامح لا يعني السماح بتكرار الإساءة. إذا سامحت شخصًا على تصرف مؤذٍ، فهذا لا يعني أنك تمنحه الحق في إيذائك مرة أخرى. بل على العكس، التسامح يعني أنك تتخذ خطوات لحماية نفسك في المستقبل، سواء كان ذلك بإنهاء العلاقة أو بوضع حدود صحية.
مثال: إذا كنت في علاقة سامة واستمرت الإساءات، فإن التسامح قد يعني أنك تقرر المغادرة لحماية نفسك. هنا، المسامحة لا تعني التنازل عن حقوقك، بل تعني التصالح مع الألم الماضي والتحرر منه دون السماح له بالتحكم في قراراتك المستقبلية.
في النهاية:
التسامح هو عملية شخصية تتطلب الشجاعة والقوة. سواء كنت تسامح شخصًا آخر أو تسامح نفسك، فإن ذلك هو السبيل للتخلص من الأعباء العاطفية وفتح المجال أمام السلام الداخلي. بتجاوزك الماضي وتحررك من الحزن والغضب، تبدأ في عيش حياتك بحرية أكبر، وتفتح الباب أمام التجارب الإيجابية في المستقبل.
إن التسامح، كما قالته لويز هاي، هو هدية لنفسك، وليس للآخرين. إنه يسمح لك بالتحرر من قيود الماضي، والعيش في الحاضر، والاستعداد لمستقبل أكثر إشراقًا وراحة نفسية.
تعليقات
إرسال تعليق