متى يسقط الانسان

 يسقط الإنسان حين يتخلى عن ذاته، حين ينسى قيمته الحقيقية ويتوه في دروب الحياة بحثًا عن شيء خارجي يعوّض نقصًا داخليًا. يسقط عندما يبدأ في ملاحقة أهداف لا تنبع من قلبه، أو يسعى لنيل رضى الآخرين على حساب روحه. في اللحظة التي يغفل فيها عن جوهره، عن أحلامه، وعن صوته الداخلي، يكون قد بدأ أولى خطواته نحو السقوط.


يسقط الإنسان أيضًا حين يفقد إيمانه، ليس فقط بالخالق، بل بذاته، بقدرته على النهوض مهما كانت الظروف قاسية. يحدث ذلك عندما يترك لليأس أن يتسلل إلى قلبه ويغطي نوافذ الأمل، فيصبح محاصرًا بمخاوفه وعاجزًا عن رؤية النور الذي ينتظره في نهاية الطريق.


ولكن السقوط ليس نهاية. السقوط أحيانًا هو الدرس، هو تلك اللحظة التي نتعلم فيها حقيقة أنفسنا، ونكتشف فيها قوة خفية كنا نجهل وجودها. قد يكون السقوط مرحلة من مراحل النمو، تلك اللحظة التي ندرك فيها ما هو مهم حقًا، ونعيد ترتيب أولوياتنا وفقًا لما يتماشى مع قيمنا وأحلامنا الحقيقية.


وإن سقط الإنسان، فهو لم يفقد كل شيء، بل ربما يكون قد اكتسب نظرة جديدة، وإدراكًا أعمق لمعنى حياته. السقوط يجعلنا أقرب إلى أنفسنا، لأنه يدعونا للعودة من جديد، للتعرف على أنفسنا بطريقة أصدق، لننهض بعد كل كبوة بروح أقوى، وبتصميم أكبر.


وحين يسقط الإنسان، يشعر بأن العالم قد ضاق عليه، وأن كل الأبواب أُغلقت في وجهه. يبدأ صوته الداخلي يهمس له بأفكارٍ مثقلة بالخيبة، ويتساءل إن كان يستحق النهوض مرة أخرى. في تلك اللحظات بالذات، عندما يكون في أعمق نقاط ضعفه، يجد فرصةً ليرى ذاته بصورة مختلفة، بعينين قادرتين على تمييز الجمال في أبسط التفاصيل وفي أعمق الجراح.


السقوط ليس سوى مرحلة، ورحلة العودة تبدأ بقرار صغير، بلمحة من الأمل، بقبول الذات كما هي، بكل ما تحمله من انكسارات وخيبات، وبكل قوتها التي أظهرتها خلال الطريق. عندما يتجرأ الإنسان على مواجهة فشله، ويحتضن جروحه، يبدأ في تحويل ذلك السقوط إلى انطلاقة جديدة.


النهوض بعد السقوط يضيف إلى الروح قوة إضافية، وحكمة صافية تتبلور من التجارب. ففي كل مرة يسقط فيها الإنسان ويعود للنهوض، يتعلّم درسًا جديدًا عن ذاته وعن الحياة، يزداد نضجًا، ويصبح أكثر ارتباطًا بروحه الحقيقية. يرى في كل عثرة فرصة لإعادة النظر، ليتعلم كيف يمشي بثبات أكبر، ويكتسب شجاعةً أعمق، وإيمانًا لا يتزعزع في قدرته على تجاوز المحن.


السقوط يصبح، حين نفهمه، بداية جديدة، لحظة وعي تمنحنا فرصة لنعيش بصدق أكبر، لنكون أقرب إلى أنفسنا وإلى ذواتنا الحقيقية.

السقوط يذكرنا بأننا بشر، وبأن قوتنا تكمن في قدرتنا على النهوض مجددًا.

تعليقات

مرآة الأسرار: رحلة نحو النور

مرآة الأسرار: رحلة نحو النور

لا تخافي يا بنتي