التامل في الكائنات البحرية
وجلست أتأمل في تلك الكائنات البحرية وهي تسبح بسلام في عالمها الخاص. كيف تتواصل؟ هل لديها لغة خاصة بها؟ كيف تتخذ قراراتها؟ أطلت التفكير في الحيتان التي تصدر أصواتًا معقدة للتواصل مع بعضها عبر البحار الواسعة، وفي الأسماك التي تتحرك بتناغم، وكأنها تفهم بعضها بلا كلمات.
ربما لكل منها طريقتها في التعبير، لغة لا تعتمد على الصوت أو الحركة فحسب، بل على الإحساس والشعور بالمحيط من حولها. وكأن الكون كله مليء برسائل غير مرئية، نحن البشر نغفل عنها في زحمة أفكارنا وأحاديثنا.
طال بي التفكير، وبدأت أتساءل: هل نحن نفهم بعضنا بهذه السهولة حقًا؟ هل نفهم العالم من حولنا كما تفهمه هذه الكائنات؟
وغصت أعمق في تساؤلاتي، متأملاً في حياتنا كبشر. كيف نقضي أعمارنا نحاول أن نتواصل، نتحدث، نكتب، نتجادل، لكن هل نصل حقاً إلى قلوب بعضنا البعض؟ ربما هذه الكائنات البحرية رغم بساطتها تمتلك فهماً أعمق وأصدق للعلاقات، لأنها لا تحتاج إلى التعقيد الذي نحيط به تواصلنا.
في عالمهم الهادئ، لا توجد كلمات معقدة أو محادثات طويلة، فقط إشارات، أحاسيس تتنقل بينهم كما يتنقل الماء بين أطرافهم. ربما التواصل الحقيقي هو ذلك الذي لا يعتمد على الكلمات، بل على انسجام الأرواح وتفاهم الحواس.
أعدت نظري إلى شاشة التلفاز، وما زال البرنامج يعرض صوراً للحياة تحت الماء، كائنات تعيش بتوازن كامل مع محيطها. عادت فكرة التفاهم الصامت تراودني. هل يمكننا نحن أن نصل إلى هذا التفاهم الفطري؟ أن نترك الكلمات جانباً ونتعلم من الطبيعة كيف نتواصل من القلب إلى القلب؟
ربما نحتاج إلى الصمت أحياناً لنفهم، أن نصغي للطبيعة، لقلوبنا، ولمن حولنا.
استسلمت لأفكاري، وأغمضت عيني للحظات، وكأنني أسمع همسات البحار العميقة. تخيلت نفسي جزءاً من هذا العالم الصامت. كيف سيكون شعوري لو أنني، مثل تلك الكائنات البحرية، أعتمد فقط على الإحساس للتواصل؟ كيف سأفهم الآخرين؟ كيف سأُسمِع ما بداخلي دون كلمات؟
شعرت أن في الصمت راحة لم أكن أدركها من قبل، كما لو أن الكلمات التي نستخدمها عادة لا تملأ الفراغات بل تخلق مسافات بيننا. عالم البحار قدّم لي درساً، أن التفاهم الحقيقي قد يأتي من النظرة، من الإحساس، ومن انسجام الوجود ذاته. ربما لهذا السبب تبدو هذه الكائنات منسجمة في محيطها، بلا صراع ولا تشتت، لأنها تعرف كيف تعيش ببساطة، وكيف تتواصل دون حاجة للتفسير.
عدت من شرودي إلى واقعي، والتلفاز ما زال يبث صوراً ساحرة لعالم تحت الماء. شعرت بشيء من السلام، كما لو أنني اكتسبت شيئاً جديداً من تلك المخلوقات. تعلمت أن التواصل ليس فقط في الكلمات، بل في الشعور، في الفهم العميق، وفي القدرة على الانسجام مع كل ما حولنا.
تعليقات
إرسال تعليق