في أعماقنا، هناك أحلام نحملها برفق، كأنها زهور نادرة، ندرك أنها ربما لن تتفتح تحت ضوء الواقع. ومع ذلك، لا نتخلى عنها. فهي ليست مجرد أمنيات؛ بل هي شرارات صغيرة تضيء روحنا، تُبقي بداخلنا وهج الأمل والإلهام.
ومع مرور الزمن، نتعلم أن الجمال لا يكمن في الوصول إلى كل ما نرغب به، بل في أن نحلم ونعطي لأنفسنا حرية أن نحلق، بعيدًا عن ضوضاء الحياة وضغوطها. إن هذه اللحظات، التي نسمح فيها لعقولنا بالانطلاق في عالم من الأحلام، تمنحنا مساحة للتنفس والتجدد. هي مساحات نصنعها بأيدينا، فيها نعيد رسم ملامح أفكارنا وأمانينا، ندرك أن بعضها قد خُلق ليبقى زينة تتلألأ في عوالمنا الداخلية، وتذكيرًا دائمًا بأننا نمتلك القدرة على تخيل أشياء أسمى من الواقع.
وأحيانًا، قد تبقى بعض الأمنيات عالقة كنجوم بعيدة، لا نصلها، لكنها تضيء سماءنا الخاصة، تلهمنا وتوجهنا نحو مسارات لم نفكر بها من قبل. هذه الأمنيات، مهما بدت بعيدة المنال، تذكرنا بأننا في رحلة، وأن جمال الحياة ليس في تحقيق كل ما نتمنى، بل في السماح لأنفسنا بأن نحلم ونأمل، وأن نتطلع دائمًا للأفق.
ربما قد نرى في أعماقنا أن بعض الأماني لن تتحقق أبدًا، لكنها لا تزال تمنحنا إحساسًا بالسعادة، لأنها تمنحنا شيئًا لن نستطيع أن نشتريه: شعورٌ بالاستمرارية، ورغبةٌ في المضي قُدُمًا، وأملٌ في أن الحياة، رغم كل شيء، تتسع للأحلام حتى تلك التي نراها مستحيلة.
وتستمر تلك الأحلام، كضوءٍ دافئ في زوايا الروح، تمنحنا القوّة لمواجهة الواقع بأمل متجدد. إنها توقظ فينا الشغف الذي يحمينا من الذبول، وتزرع فينا الرغبة في أن نعيش أيامنا بعمق، كأن كل لحظة هي فرصة جديدة، لاكتشاف أنفسنا ومشاعرنا من زوايا مختلفة.
حين ننظر إلى تلك الأحلام البعيدة، نجد فيها عمقًا يُغني أرواحنا، فتلك الأحلام، حتى وإن بقيت في عالم المستحيل، تعيد إلينا جزءًا من براءة الطفولة التي طالما حلمت، واعتقدت بأن لا شيء خارج متناول يدها. هي تذكرنا بقدرتنا على الإيمان بما هو أكبر منا، وبأننا رغم التحديات والمحن، ما زلنا قادرين على التطلع لما هو أبعد من المرئي والمحسوس.
ولعل أجمل ما تقدمه لنا تلك الأحلام هو ذلك الشعور بالامتنان، بأننا أحياء قادرون على التطلع إلى ما هو أسمى، وقادرون على صناعة أحلامنا حتى وإن بقيت في الأفق. إنها تمنحنا قوة الصبر، تعلمنا كيف ننتظر ونمضي، وكيف ننظر للحياة بعين القلب، لا بعين التحقق وحده.
نستمر في الحياة، نزرع أمانينا في حدائق نفوسنا، نسقيها بإيمانٍ هادئ، متصالحين مع فكرة أنها قد لا تزهر أبدًا، لكنها ستظل جزءًا منّا، تضفي على حياتنا رونقًا خاصًا. وفي كل مرة ننظر فيها إلى تلك الأمنيات، نعرف أننا، بمحض إرادتنا، اخترنا أن نعيش الحلم في أعماقنا، وأن نضيف لحياتنا لمسة من السحر، حتى ولو كان مجرد خيال لا يمس الأرض.
فليست الحياة مجرد قائمة أهداف نحققها، بل هي أيضًا تلك الأحلام التي تُبقي في داخلنا شعورًا بأن هناك دائمًا ما يستحق الانتظار.
تعليقات
إرسال تعليق