عندما بدأ النهار يودع الأرض، وبدأت الشمس بالاقتراب من الأفق، تجمعت ألوان الغروب الساحرة حولها، فتوهجت السماء بألوانها الذهبية والبرتقالية. وكأنها تريد أن تخبر العالم بجمال لحظات الوداع، حين بدأ القمر يشع في الجهة الأخرى، يعكس ضوءه الهادئ على سطح البحر. شعر القمر بحضور الشمس وهي تتوارى خلف الأفق، فبادرها بالحديث بلطف:


القمر: “يا شمس، يا رمز الدفء والنور، أخبريني، أليس الفراق ثقيلًا عليكِ في كل ليلة؟ ألا يؤلمك أن تتركينا وترحلين عنّا؟”


الشمس بابتسامة رقيقة: “أيها القمر الهادئ، ليس فراقًا بقدر ما هو وداع مؤقت. كل غروب بالنسبة لي هو تذكير بأنني سأعود مرة أخرى، أرحل الآن لأترك للعالم فرصة ليرى نورك، وليهدأ قليلاً تحت ضوءك الرقيق.”


القمر: “لكن نورك أقوى وأبهى، أنتِ التي تنيرين كل شيء وتبعثين الحياة، أما أنا فأعتمد على ضوءك لأضيء. أحيانًا أشعر أنني مجرد انعكاس، بلا ضوء حقيقي.”


الشمس: “لكنّك مخطئ، يا صديقي. ليس في الأمر قوة أو ضعف، لكل منا دوره في هذه الحياة. أنت من يمنح الليل جماله وسحره، وكم من قلوب تهدأ وتنعم تحت ضوءك الهادئ! إن نورك، وإن كان مستعارًا مني، إلا أنه يحمل هدوءًا وسكينة لا أستطيع أنا أن أبعثها.”


القمر: “أحقًا تعتقدين ذلك؟ أظنني دائمًا ظلّك فقط.”


الشمس: “يا قمر، أنا وأنت نكمل بعضنا، فحياتي وحياتك سلسلة من العطاء. أنت من يحرس الأرض في ساعات الليل، تحاكي النجوم وتجعل البحر ينعم بموجاته الهادئة. تأمل كم هو جميل سطح البحر تحت ضوءك الآن، وكم هي ناعمة الموجة التي تحتضن نورك في هذه اللحظة. في غيابي، أنت من يسكن القلوب بنورك اللطيف.”


أحس القمر بالاعتزاز بعد كلمات الشمس، فنظر نحو البحر الذي كان يعكس نوره بهدوء، وشعر كأن الأمواج تهمس له بالشكر. ثم تابع حديثه مع الشمس، وقد بدا عليه التأمل:


القمر: “لقد منحتِني الحكمة يا شمس. الآن أدرك أن كل منا له رسالته في هذا الكون، وأن الجمال يكمن في اختلافنا وتكاملنا. وكم أفتخر أنني جزء من هذا التوازن.”


الشمس بابتسامة حانية: “هذا هو سر الحياة، يا قمر. نحن نضيء بطرق مختلفة، وننثر نورنا في مسارات متنوعة، ولكننا نلتقي في سماء واحدة. لذلك، اترك نورك يتألق بفخر، وذكر الأرض بجمال الليل كما أفعل أنا في النهار.”


وهكذا، غابت الشمس خلف الأفق تاركةً السماء بيد القمر، الذي شعر بأهمية دوره وقدسيته. أضاء بنوره الهادئ سطح البحر، واستمر في تزيين الليل، عاكسًا كلمات الشمس في بريقه، وكأنها همست له أن يكون بطلًا في رحلته الليلية، وأن يعرف قيمة نوره مهما كان هادئًا، لأن لكل ضوءٍ مكانه ولكل وقتٍ جماله.

تعليقات

مرآة الأسرار: رحلة نحو النور

مرآة الأسرار: رحلة نحو النور

لا تخافي يا بنتي