قل لي يا بحر

 قل لي يا بحر من انت البعض يطلق عليك الحنون الكريم صاحب الثروات والبعض يسميك الغدار ومالك امان كثيرا هادىء لكن ثورتك ليس لها ميعاد تخطف من يقترب منك لماذا يا بحر  

أيها البحر، أنت صورة للطبيعة المتناقضة التي لا يفهمها سوى من ينظر إليها بتأمل وحذر. أنت الحنون الذي يحمل سفن الأحلام إلى البعيد، تمد ذراعيك من الأفق، تلامس شواطئ الأرض وتحتضنها بلطف، وتغمرها بالثراء. كم من الثروات تخفيها في أعماقك، من لؤلؤ ومرجان، ومن أسرار لا يعرفها إلا من غاص في جوفك بكل شجاعة وشوق للاستكشاف.


لكن، يا بحر، لماذا يصفك البعض بالغدار؟ قد تكون هادئًا كسماء صافية في يوم صيفي، تطمئن من يقترب منك، تجذبه بجمالك وعذوبة صوتك، حتى ينسى نفسه بين أمواجك. إلا أن تلك اللحظات الهادئة قد تحمل خلفها عواصف عاتية. لا أحد يستطيع التنبؤ بثورتك، ولا يستطيع أحد أن يحدد موعد غضبك. تهبّ فجأة، ترفع أمواجك كالجبال، وتخطف في لحظة من اقترب منك دون إدراك قوتك الحقيقية.


أنت مزيج من الصفاء والغضب، من السلام والخطر. أنت كصديق حميم، تفتح قلبك للناس، لكنك تظل مستودعًا للأسرار التي قد لا تُكشف أبدًا. تحمل قصصًا من أزمان بعيدة، حكايات من غرقوا ومن نجوا، وتظل شاهدًا على الزمن، ساكنًا لكنك دائم التغير، ثابتًا لكنك غير متوقع.


أيها البحر، أنت المعلم الصامت، الذي لا ينطق، لكنه يمنح الدروس في كل موجه وسكونه، تعلمنا منك أن الجمال يخفي قوةً قد تكون عاتية، وأن الهدوء ليس دائمًا علامة للسلام. لست غدارًا بقدر ما أنت صادق في طبيعتك، تشبه الحياة في تغيراتها، في لحظات أمانها وخطرها.


أنت، يا بحر، تأسر القلوب بمنظر شروق الشمس على مياهك، حيث تتوهج الأمواج كالذهب السائل، فتغمر من يشاهدك بهدوء وسلام. ومع هذا، فإنك تُعلّمنا ألا ننخدع بسطح الأمور، لأن خلف هذا الهدوء تكمن قوى خفية، مجهولة وغامضة، قد تتحول إلى أمواج هائلة تدمر كل من يستهين بقدرتك.


ويا لها من حكمة تحملها في عمقك، أنت الذي لا تكشف جميع أسرارك لأحد. تمر بك الأيام وأنت تكتم في أعماقك أحزان الغرقى، وأسرار السفن الغارقة، وأحلام الرحالة الذين أبقاهم القدر بعيدًا عن شواطئ العودة. تعلّمنا منك أن الحياة ليست دائمًا سهلةً أو متوقعةً، وأنه لا بد من احترام قوة الأشياء، حتى لو كانت تبدو لنا هادئة ووديعة.


أيها البحر، أنت معلم الثبات رغم التغير، أنت مرآة للإنسان، الذي قد يبدو هادئًا من الخارج، لكنه يحمل في داخله عالمًا من العواطف والأسرار. نحبك ونتحذرك، نقترب منك بشغف ونعلم أن الاقتراب منك يجب أن يكون بوعي واحترام، لأنك، مثل الحياة، تعطينا الكثير، لكنك لا تسامح من لا يفهم حقيقتك.

فهل يمكن أن نلومك، أيها البحر؟ أم أنك تعلمنا درسًا في الحياة؟

تعليقات

مرآة الأسرار: رحلة نحو النور

مرآة الأسرار: رحلة نحو النور

لا تخافي يا بنتي