عندما يعشق القلم، يصبح نبضًا يفيض بالكلمات، ينساب على الورق كجدول يتدفق بصمت، يحكي مشاعر لا تُقال، وأسرارًا ظلت حبيسة القلب. في لحظة العشق، يتحول القلم إلى رفيق، يحمل همسات الروح وآمالها، يرسم أفراحها وأحزانها بصدق لا يعرف الخجل.
يبوح القلم بروايات لم تولد بعد، يسرد حكايات لم تروَ، وكأن بينه وبين الورق عهدًا أبديًا بأن ينقل ما تعجز الشفاه عن الإفصاح به. يحكي عن ليلٍ طويل، عن لحظات تأمل هادئة، وعن شوق ينتظر الإفراج بين السطور. في عشق القلم، كل نقطة حبر هي شهقة شعور، وكل حرف هو نبضة قلب يخفق بما لا يراه أحد.
عندما يعشق القلم، يصير راويًا لأعمق الخفايا، يسجل كل ألم وكل فرح، دون تردد أو قيد. يكتب بلا خوف من الحكم، وبلا حواجز تحد من طاقته. يسافر مع الكاتب إلى عوالم غير مرئية، يعبّر عن أفكار وأحلام كادت تذوب في الزحام. يتحرر القلم، ويمنح للروح مساحة أمان، يبوح بكل ما كان مسجونًا داخله، ويترك للحبر حرية التعبير، حتى يخرج الصدق كاملًا، دون زخرفة أو تصنع.
وفي عشقه هذا، يُخرج القلم أعذب الكلمات، كلمات كأنها زهور تتفتح على الورق، كلمات تزرع الدفء، وتستدعي الأمل، وتنير مساحات ظلت طويلاً في العتمة. فهو لا يعرف الكلل ولا الملل، بل يبوح كل مرة من جديد، كأنه ولد ليروي، ليكون الشاهد الصامت على قصة الإنسان بكل ما فيها من نبض وحياة.
وحين يستمر القلم في عشق الكتابة، يصبح صوته الداخلي أكثر عمقاً ووضوحاً، ينساب مع كل خفقة، كأنه يترجم دقات القلب إلى سطور. في هذه اللحظات، لا يعود القلم مجرد أداة، بل يصبح مرآة تعكس ما في الروح، يشبه الحكيم الذي يحمل صبر الحياة كلها بين أنامله، ولا يستعجل النهاية بل يستمتع بكل حرف وبكل لحظة يلتقي فيها بالورق.
يمتد به الشوق ليكتب عن تفاصيل قد تبدو صغيرة للآخرين، لكنه يرى فيها حياةً كاملة. يكتب عن نظرة عابرة، عن همسة، عن ألم خفي خلف ابتسامة، وعن فرحٍ صغير يلمع كنجمة في ليالي العمر المعتمة. القلم في عشقه هذا لا يتردد، يسجل كل شيء، حتى تلك الأشياء التي يخشى القلب الاعتراف بها. يجرؤ حيث نخاف، وينطق حين نعجز، ويبوح بما لا نستطيع البوح به.
وفي كل كلمة يخطها، كأنه يغرس بذوراً صغيرة على الورق، بذورًا تنمو بمرور الزمن، تحمل أصداء الحياة، تروي حكاياتنا بصمت لا يسمعه إلا من يقرأ بعمق. في كل سطر يتركه، يفتح نافذة جديدة على ذاته، على العالم الذي لم يُكتشف بعد في داخله، ويرسم للقارئ طرقاً لم يكن يعرف أنه يبحث عنها.
يصبح القلم، في عشقه هذا، رفيقًا أبديًا، يرافقنا في وحدتنا وفي أوقاتنا الصعبة، يحنو علينا حين نبحث عن ملجأ، ويمنحنا قوة حين نسقط. فهو ليس مجرد عشيق، بل هو صديق ومعلم، يتحدث عن الحب، عن الألم، عن الشوق والحنين، عن كل تلك المشاعر التي تجعلنا بشراً. ومع كل حرف، يضيف القلم فصلاً جديدًا إلى قصة حياتنا، قصة تظل تتجدد وتنضج، تمامًا كما ننضج نحن مع كل لحظة تمر.
تعليقات
إرسال تعليق