الصمت
ذهب الشاب الي عمه و جلس صامت دون التحدث باي كلمه استغرب العم ذلك واحترم صمت ابن اخيه لكن لما طال الصمت ساله العم احوالة واموره اجاب بكله واحده جيده وصمت فهم العم ان وراء صمته حزن عميق نظر العم إلى الشاب بتمعن، محاولاً قراءة ما وراء تلك الكلمة الوحيدة “جيدة” التي نطق بها. كان واضحًا أن شيئًا ما يثقل كاهل ابن أخيه، لكن الشاب كان يتجنب الحديث عنه. جلس العم بجانبه بهدوء، ثم قال بصوت دافئ: “أعلم أن الصمت أحيانًا يكون أسهل من الكلام، لكنني هنا للاستماع إذا كنت بحاجة إلى من يسمعك.”
رفع الشاب رأسه قليلاً، وكأنه يريد التحدث لكنه تردد. ثم، وبعد لحظة طويلة من الصمت، قال: “أحيانًا نشعر أن الكلام لن يغير شيئًا. كل ما بداخلي يبدو ثقيلًا، لكن لا أجد الكلمات المناسبة للتعبير عنه.”
ابتسم العم بلطف، وقال: “أحيانًا الكلمات لا تكون هي الحل، ولكن المشاركة قد تخفف الحمل. ليس عليك أن تقول كل شيء دفعة واحدة، يمكنك أن تبدأ بما تشعره الآن، مهما كان بسيطًا.”
تنهد الشاب بعمق، ثم بدأ بهدوء: “أشعر أنني تائه. أحاول الوصول إلى شيء، ولكن كلما اقتربت، أبتعد أكثر. أشعر أنني عالق في مكان لا أستطيع الهروب منه.”
نظر العم إليه بعينين مليئتين بالتعاطف، وقال: “في حياتنا جميعًا، نمر بلحظات كهذه. لحظات تشعر فيها وكأن الطريق مغلق، وكل ما حولك يغرقك. لكن اعلم أن لكل مرحلة نهاية، وكل ألم يحمل معه درسًا. قد لا يكون الأمر واضحًا الآن، لكنك أقوى مما تعتقد.”
ثم أكمل العم قائلاً: “أحيانًا، لا نحتاج لإيجاد الحلول على الفور. ربما ما تحتاجه الآن هو أن تسمح لنفسك بالشعور بما تمر به، وأن تعرف أن هذه المشاعر جزء من رحلتك.”
رفع الشاب رأسه ونظر إلى عمه، كأن كلماته بدأت تخترق الصمت الذي كان يحيط به. وقال: “ربما… ربما كنت أحاول الهروب من هذه المشاعر بدلاً من مواجهتها. أشعر بالخوف من أن أكون غير قادر على النجاح، أو أن أخيب ظن من حولي.”
ابتسم العم بحنان وقال: “الخوف شعور طبيعي، لكن لا تدعه يتحكم بك. كل شخص يواجه تحدياته بطريقته، وما تمر به الآن هو جزء من الطريق الذي ستسلكه لتصبح أقوى. لا أحد يتوقع منك أن تكون مثاليًا، كل ما عليك فعله هو أن تحاول.”
شعر الشاب ببعض الارتياح، وكأن الصمت الذي كان يحمله قد بدأ يخف.
تلاشت بعض غمامة الحزن التي كانت تظلل وجه الشاب، لكنه بقي هادئًا، وكأنه ما زال يحاول استيعاب كلمات عمه. جلس في مكانه للحظات طويلة، ثم قال بصوت أهدأ: “أحيانًا أشعر أنني أسير في الظلام. لا أرى أين أنا ذاهب ولا حتى الطريق أمامي. كل شيء يبدو ضبابيًا.”
أخذ العم نفسًا عميقًا وأجاب: “كلنا مررنا بمثل هذه اللحظات، حيث نشعر أننا فقدنا الاتجاه أو أن الطريق مليء بالغموض. لكن تذكر يا بني، أن الظلام لا يعني غياب الطريق، بل يعني فقط أنك بحاجة إلى بعض الوقت لتعتاد عليه وتبدأ في رؤية الأشياء بوضوح. حتى في الظلام، هناك إشارات صغيرة تقودك.”
ابتسم الشاب لأول مرة منذ دخوله المنزل، وقال: “ربما أنت على حق، لكن كيف أجد تلك الإشارات؟ أشعر أحيانًا أنني أبحث عنها في كل مكان ولا أجد شيئًا.”
وضع العم يده على كتف ابن أخيه بلطف وقال: “الإشارات ليست دائمًا واضحة للعيون، بل أحيانًا نحتاج إلى قلب هادئ لكي نراها. قد تأتي في شكل فرصة صغيرة، أو في كلمة من صديق، أو حتى في لحظة تأمل. المهم هو أن لا تفقد الأمل في العثور عليها.”
سكت العم قليلاً، ثم أضاف: “لا بأس أن تشعر بالضياع بين الحين والآخر، فهذا جزء من التجربة الإنسانية. ما يهم هو ألا تتوقف عن المحاولة وألا تخاف من طلب المساعدة حين تحتاجها. نحن جميعًا هنا من أجلك.”
تنفس الشاب بعمق، وكأن كلمات عمه بدأت تمنحه شعورًا بالراحة والاطمئنان. ثم قال: “أظن أنني كنت أحاول مواجهة كل شيء بمفردي، ولكن الآن أدرك أنني لست وحدي. شكراً لك على الاستماع، وعلى نصائحك. ربما ما كنت أحتاجه حقًا هو أن أسمع هذه الكلمات.”
ابتسم العم بحرارة وقال: “أحيانًا، مجرد وجود من يستمع إلينا كافٍ لجعل الأمور تبدو أخف. لا تتردد في العودة إلى هنا كلما شعرت بالحاجة إلى ذلك. وفي الوقت المناسب، ستجد نفسك تسير في الطريق الصحيح.”
نهض الشاب من مكانه، وهو يشعر بأن حملاً قد أزيح عن كاهله. غادر منزل عمه وهو يحمل في قلبه تلك الكلمات البسيطة، لكنه شعر بقدر من الثقة والطمأنينة لم يكن يشعر بها من قبل.
خرج الشاب من بيت عمه وهو يشعر بخليط من الهدوء والتفكر. كان الليل قد بدأ يخيم، والهواء كان باردًا بعض الشيء، لكنه لم يكن يشعر بالضيق كما كان في البداية. بل على العكس، كان هناك شيء جديد يتسرب إلى نفسه، نوع من السلام الذي لم يعهده من قبل.
بينما كان يسير في الشارع الهادئ، كان يتذكر كلمات عمه: “الظلام لا يعني غياب الطريق.” تلك الجملة كانت تدور في رأسه، وكأنها مصباح صغير يضيء له شيئًا من الأمل. أدرك في تلك اللحظة أن مشاكله لن تختفي بين عشية وضحاها، لكن الفكرة بأن الأمور ستتحسن بمرور الوقت جعلته يشعر بأنه قادر على التحمل والمضي قدمًا.
عندما وصل إلى منزله، جلس بهدوء في غرفته، ونظر إلى السماء من نافذته. النجوم كانت تتلألأ، وكأنها ترسل رسائل خفية إلى من يراقبها. تذكر ما قاله عمه عن الإشارات الصغيرة التي قد تأتي من أماكن غير متوقعة. بدأ يتساءل: “ما هي الإشارة التي أحتاج لرؤيتها الآن؟”
ظل جالسًا لفترة، يتأمل هدوء الليل. فجأة، خطر له شيء بسيط: ربما الإشارة التي كان يبحث عنها لم تكن في الخارج، بل بداخله. ربما كان عليه أن يبدأ بمراجعة أفكاره ومشاعره، ويمنح نفسه الفرصة ليشعر بما يمر به دون ضغط أو عجلة.
في اليوم التالي، استيقظ الشاب بشعور مختلف. قرر أن يخرج في نزهة قصيرة في الحديقة المجاورة، حيث الهواء النقي والأشجار التي تملأ المكان بالحياة. أثناء مشيه، شعر بأن الطبيعة تهدئه، وكأنها تدعوه للتأمل والتفكر. كل شيء كان بسيطًا من حوله، لكنه وجد في ذلك البساطة جمالاً وراحة.
بينما كان يمشي، صادف صديقًا قديمًا لم يلتقِ به منذ فترة طويلة. تبادلا التحيات، وجلسا يتحدثان. خلال حديثهما، اكتشف الشاب أن صديقه مر بظروف مشابهة، وأنه كان يبحث أيضًا عن اتجاه في حياته. تبادلا قصصهما وتجاربهم، وشعر الشاب أن تلك المحادثة كانت واحدة من “الإشارات” التي تحدث عنها عمه.
عندما عاد إلى منزله في ذلك اليوم، أدرك أن الحل لمشكلاته لم يكن في إجابة واحدة، بل في مجموعة من التجارب الصغيرة والمحادثات التي تساعده على رؤية الأمور بشكل أوضح. كما تعلم أن الأوقات الصعبة جزء من الحياة، وأن القوة تكمن في القدرة على التحمل والبحث عن الجمال في اللحظات الصغيرة.
وفي الأيام التي تلت ذلك، بدأ الشاب يشعر بتحسن تدريجي. كان ما يزال يواجه التحديات، لكنه كان يرى الأمور من زاوية جديدة. بدأ بكتابة أفكاره ومشاعره، ووجد في الكتابة متنفسًا يساعده على تنظيم فوضى مشاعره. ومع مرور الوقت، بدأ يرى إشارات أخرى، بعضها من داخله، والبعض الآخر من الحياة من حوله.
كانت رحلة التعافي طويلة، لكنها كانت ممتعة. وشيئًا فشيئًا، بدأ الشاب يشعر بأنه لم يعد تائهًا كما كان.
ومع مرور الأيام، أدرك الشاب أن الحياة ليست دائمًا عن إيجاد الإجابات السريعة، بل هي عن التجربة، والمحاولة، والتعلم من كل خطوة يخطوها. تعلم أن الصمت الذي كان يظن أنه ضعف، كان في الحقيقة فرصة للتأمل وإعادة ترتيب أفكاره. لم يعد يخشى مواجهة مشاعره أو الحديث عنها، بل أصبح يرى فيها مصدر قوته.
وفي كل يوم كان يعود إلى عمه، ليس فقط للحديث عن مشاكله، بل لمشاركة لحظات اكتشافه الجديدة، وللتعبير عن الامتنان للدعم الذي وجده في كلمات عمه البسيطة.
في النهاية، لم تكن رحلة الشاب مجرد بحث عن طريق في الظلام، بل كانت رحلة إلى أعماق نفسه، لاكتشاف القوة التي كانت كامنة داخله طوال الوقت. وهكذا، وجد الشاب سلامه الداخلي، وتعلم أن الحياة مليئة بالإشارات التي تقودنا نحو النور، طالما نفتح قلوبنا لنراها.
ابتسم وهو يتأمل رحلته، وشعر لأول مرة منذ فترة طويلة أن كل شيء سيكون على ما يرام.
تعليقات
إرسال تعليق