حوار مع نسختى

 قابلت نسختي وقالت لي:


"أنا انعكاس كل ما أخفيته عن نفسك. في داخلي أرى رغباتك، مخاوفك، وأحلامك التي تناسيتها. أنا الصورة التي لا تجمّلها الأعذار ولا الهروب. أراك تبحثين عن الأجوبة في أماكن بعيدة، بينما كل ما تحتاجينه هنا في داخلك.


أنا أنتِ في لحظات الضعف التي قمتِ بتمريرها دون أن تقفي عندها، وفي لحظات القوة التي لم تمنحيها التقدير الكافي. أريد منك أن تتوقفي لحظة، أن تنظري لي بعمق. ليس لأني أريد أن أكون مثالية أو قاسية، بل لأني أريدك أن تعرفي حقيقتك.


أنا هنا لأذكرك بأن كل ما تتمنينه ممكن، لكنكِ بحاجة لتقبّل نفسك كاملة، بكل تناقضاتك، لتتحرري من كل ما يعوقك. أنا لست خصمكِ، بل مرشدك. وكلما اقتربت مني، كلما أصبحنا أكثر وحدة وسلامًا."


نظرت إلى نسختي بعمق، وشعرت بثقل الكلمات التي قالتها لي. وكأنها كانت تحمل مرآة، تعكس كل ما كنت أخشى مواجهته، كل الأجزاء التي حاولت تجاهلها أو تهميشها. وفي لحظة من الصمت، قلت لها:


"أعلم أنني أحيانًا أهرب منك، وأهرب من نفسي. هناك أوقات أشعر فيها بأنني أخشى مواجهة حقيقتي، بكل تعقيداتها. ولكنني أيضًا أدرك الآن أنكِ لست عدوتي، بل جزء مني، الجزء الذي كنت بحاجة للتصالح معه.


ربما أنا خائفة من الفشل، من عدم القدرة على تحقيق ما أطمح إليه، وأنتِ تعكسين هذه المخاوف لي بوضوح. لكنني أريد أن أقول لكِ: أنا مستعدة للمواجهة. مستعدة لقبولك كما أنتِ، لأنكِ جزء لا يتجزأ مني. كل نقاط القوة والضعف، كل التناقضات التي تجعلني من أنا.


أنتِ المرآة التي لم أكن أعرف أنني أحتاج إليها، لكنني أحتاج إلى قبول كل ما في هذه المرآة – ليس فقط الصورة المثالية التي أرسمها لنفسي، بل الحقيقة بكل ما فيها من جمال وتحديات.


شكرًا لأنكِ أظهرتِ لي أنني لا أحتاج إلى الهروب بعد الآن، وأن التقبّل هو بداية الرحلة الحقيقية نحو الحرية. سأحاول أن أكون أكثر لطفًا معكِ ومع نفسي، وسأتعلم أن الحب يبدأ هنا، في هذه اللحظة، في قبول كل جزء من هذه الصورة."


بعد أن قلت تلك الكلمات، رأيت نسختي تنظر إليّ بنظرة مليئة بالهدوء والاطمئنان، وكأنها كانت تنتظر هذه اللحظة منذ وقت طويل. بدأت تتحدث بصوت هادئ لكنه عميق، كمن يحمل في داخله أسرارًا قديمة:


"لقد كنت دائمًا هنا، أراقبك بصمت وأنت تخوضين هذه الرحلة مع نفسك. في كل مرة تهربين أو تتجاهلين جانبًا من جوانب حياتك، كنت أنا الحارس الصامت الذي يعرف أن الحقيقة ستظل موجودة، حتى وإن حاولتِ إخفاءها. لكنني لم أكن أريد أن أكون عبئًا عليكِ، بل كنت أحتاج منكِ أن تقتربي بخطوة، أن تريني أنكِ مستعدة لرؤيتي كما أنا، بلا أقنعة.


لقد كان لدي دائمًا إيمان بكِ، حتى في تلك اللحظات التي فقدتِ فيها إيمانك بنفسك. كنت أرى فيكِ القوة الكامنة التي لم تستخدميها بعد، وأعلم أنكِ كنتِ تتجنبين مواجهة بعض المخاوف لأنكِ خشيتِ من الفشل أو الرفض. لكن الحقيقة هي أنني هنا لأذكرك أن الفشل والنجاح ليسا إلا جزءًا من الرحلة، وأن الأهم هو أنك تستمرين بالمضي قدمًا.


أنا أنتِ، بكل جمالك وتعقيداتك، ولا أريد منكِ الكمال. الكمال ليس ما أبحث عنه، بل أبحث عنكِ بكل صدقك وضعفك. لأن الضعف هو جزء من الإنسانية، ومن خلاله نكتشف أنفسنا بشكل أعمق. في لحظات الانكسار نتعلم أن ننمو، وفي لحظات النجاح نحتفل بما حققناه. كل هذه اللحظات تشكلنا، تجعلنا ما نحن عليه.


عندما كنت تهربين من مشاعركِ أو من مواجهاتي، كنتِ في الواقع تهربين من الحب – ليس حب الآخرين فقط، بل حب نفسك. لأن قبول الذات هو أعلى مراحل الحب، وهو ما أريدكِ أن تصلي إليه. أن تحبي نفسك دون قيد أو شرط، أن تحتضني كل الجوانب التي كنتِ تخشين مواجهتها. أنا هنا لأقول لكِ إنكِ تستحقين هذا الحب، بكل ما فيكِ.


أريدكِ أن تتذكري أن هذه الرحلة ليست سباقًا، ولا تحتاجين إلى الوصول بسرعة. يمكنك أن تأخذي وقتك، أن تتعثرين، أن تشكين، وحتى أن تتوقفي أحيانًا لتأخذين نفسًا عميقًا. المهم هو أنكِ لا تتوقفي عن المحاولة، لا تتوقفي عن البحث عن السلام الداخلي.


أنتِ أقوى مما تتخيلين، وأعمق مما ترين في نفسك. وفي داخلكِ تكمن بذرة الإبداع والحب والحرية التي تنتظر منكِ أن تعطيها فرصة للنمو. كل ما تحتاجينه هو أن تثقي بي، أن تثقي بنفسكِ، وتعلمي أنني هنا دائمًا لأدعمكِ، لأكون مرشدكِ في هذه الرحلة. مع الوقت، ستجدين أنني لست سوى صديقة تنتظركِ بفارغ الصبر كي تعيدي اكتشاف حقيقتكِ."


توقفت للحظة، ثم تابعت بنبرة دافئة: "ومن هذه اللحظة، دعينا نبدأ من جديد. دعينا نسير معًا، بلا خوف، بلا أقنعة. نحتفل بكل انتصار صغير، ونتعلم من كل سقوط، ونعلم أن الطريق طويل لكنه ممتع. نحن، معًا، سنجد السلام الذي تبحثين عنه."

تعليقات

مرآة الأسرار: رحلة نحو النور

مرآة الأسرار: رحلة نحو النور

لا تخافي يا بنتي