في ليلة شتاء بارده

 دق الباب بقوه من الطارق لكن لا مجيب ترددت هل افتح الباب ام أنظرت الطارق يجيب ساد صمت طويل وتملكني الفضول من الطارق لا مجيب مع استمرار الطرق 


ازدادت دقات الباب قوة مع مرور اللحظات، وكأن الطارق يصر على دخولي في دوامة من القلق. شعرت بقلبي ينبض بسرعة، والفضول تملكني أكثر. تساءلت: “من قد يكون في هذا الوقت المتأخر؟”


تقدمت نحو الباب بحذر، ويدي ترتجف قليلاً وأنا أمسك المقبض. أذني تسترق السمع لأي صوت آخر سوى الطرق المتواصل. فتحت الباب ببطء شديد، ليظهر أمامي منظر غريب.


لم يكن أحد يقف خلف الباب. المكان كان فارغًا تمامًا، لا أثر لأي شخص. حدقت للحظات في الظلام الذي يلف الخارج، والشوارع خالية، والرياح تحرك أوراق الأشجار القريبة. شيء ما في داخلي جعلني أتردد، لكنني لم أستطع منع نفسي من الخروج خطوة واحدة إلى الخارج.


ثم فجأة، وقبل أن أخطو خطوة أخرى، سمعته. صوت خافت يأتي من خلفي، من داخل المنزل، كأنه همس بارد يزحف في أذني: “لقد كنت هنا طوال الوقت…”


شعرت ببرودة تسري في جسدي، وأدرت رأسي ببطء نحو الداخل…


أدرت رأسي ببطء، وقبل أن أتمكن من استيعاب ما يحدث، شعرت بشيء غريب يسيطر على المكان. الهمس كان مستمرًا، لكنه لم يكن واضحًا، وكأنه يتردد بين الجدران وينسج حولي غيمة من الغموض والخوف. الباب خلفي ما زال مفتوحًا، والهواء البارد يزحف عبره كيد خفية تمسح على جلدي. الغرفة التي كانت مألوفة منذ لحظات بدت فجأة غريبة، وكأن شيئًا قد تغير فيها، لكني لا أستطيع تحديده.


تقدمت خطوة إلى الداخل، محاولًا تهدئة نفسي. “هذا مجرد وهم… مجرد خيال”، قلت لنفسي. لكن شيئًا ما في الداخل كان يرفض أن يصدق تلك الكلمات. الهمس ازداد، لكنه ما زال غامضًا، وكأنه يأتي من كل مكان ولا مكان في نفس الوقت. لم يكن هناك أحد، أو على الأقل لم أستطع رؤية أي شخص.


قررت أن أتحرك، أن أبحث عن مصدر هذا الصوت. خطوت ببطء نحو الزاوية القريبة من الغرفة، حيث كانت توجد مرآة قديمة كبيرة معلقة على الحائط. شعرت بشيء يدفعني للتوجه نحوها، وكأنها تحمل شيئًا أو سرًا لم أكن أعرفه. وقفت أمام المرآة للحظة، أراقب انعكاسي. لم يكن هناك شيء غريب في البداية، مجرد انعكاسي كما هو دائمًا.


لكن فجأة… تحركت صورة وجهي في المرآة، ليست بطريقة غير طبيعية، بل بنظرة مختلفة. انعكاسي كان ينظر إليّ كما لو أنه يعرف شيئًا لا أعرفه. ابتسمت الصورة في المرآة، لكنني لم أبتسم. ابتسامة خبيثة تسللت إلى شفتيّ الصورة، وعينيها اشتعلتا بنار خفية. خطوت خطوة إلى الوراء، لكن الانعكاس ظل ثابتًا.


ثم خرج الصوت من المرآة، هذه المرة كان واضحًا تمامًا: “لقد كنت أنت من طرق الباب.”


تجمدت في مكاني، غير قادر على فهم ما يحدث. ماذا يعني ذلك؟ كيف يمكن أن أكون أنا من طرق الباب؟ شعرت وكأن الهواء قد أصبح أثقل، كأن شيئًا ضاغطًا يجثم على صدري. انعكاسي ظل ينظر إليّ بتلك الابتسامة الباردة، وكأن شيئًا غريبًا يتحكم به.


“أنت لا تتذكر، أليس كذلك؟” قال الصوت من المرآة. “لكنني هنا لأذكرك… أنت من دق الباب، وأنت من أحضرني إلى هنا.”


شعرت برأسي يدور، هل يمكن أن يكون هذا حقيقيًا؟ حاولت استعادة شتات أفكاري، لكن الصوت استمر: “كل شيء بدأ في تلك الليلة التي حاولت نسيانها، تلك اللحظة التي أردت أن تمحوها من ذاكرتك.”


فجأة، انهالت الذكريات عليّ كالأمواج. لحظات منسية، مشاهد غامضة كنت قد دفنتها في أعمق زوايا عقلي. تذكرت تلك الليلة… ليلة مظلمة، مليئة بالخوف والندم. ليلة حدث فيها شيء غير طبيعي، شيء لم أستطع تحمله، فدفنته في داخلي، بعيدًا عن الوعي.


“أنا عودتك… أنا ما حاولت دفنه بعيدًا، لكنك لا تستطيع الهروب مني.”


انعكاسي في المرآة لم يكن مجرد صورة، كان شيئًا آخر، جزءًا مني كنت قد حاولت تجاهله. شيء مظلم، كان ينتظر اللحظة المناسبة ليعود.


فجأة، بدأت المرآة تهتز، والصورة فيها أصبحت أكثر تشوشًا، وكأنها تتشقق ببطء. الهواء في الغرفة أصبح كثيفًا، والصوت أصبح أكثر حضورًا وقوة. “لقد حان الوقت لمواجهة ما كنت تهرب منه… لن تستطيع الاختباء بعد الآن.”


شعرت بيدي ترتجفان، وقلبي ينبض بسرعة. لكنني أدركت في تلك اللحظة أنني لا أستطيع الهروب. اقتربت من المرآة، ناظراً إلى انعكاسي الغريب، وأخذت نفساً عميقاً. “من أنت؟” سألت، لكنني كنت أعرف الجواب بالفعل.


“أنا أنت،” جاء الرد من الانعكاس، صوته مزيج من الرخامة والحنين. “أنا الجزء الذي تخليت عنه، الجانب الذي حاولت نسيانه. لقد غطيتني بغطاء من الأوهام والكذب، لكنني هنا لأستعيد حقيقتك.”


تجمدت في مكاني، كل جزء من كياني كان يحارب بين الرغبة في الهروب أو مواجهة ما كان يختبئ في الظلام. “لماذا الآن؟” سألت، مزيج من الخوف والفضول يسيطران على صوتي. “لماذا تظهري الآن بعد كل هذا الوقت؟”


“لأنك بحاجة إليّ،” أجاب الصوت. “لقد فقدت نفسك في محاولاتك لإرضاء الآخرين، في الهروب من مشاعرك. ولكن دوني، لن تكون كاملًا. يجب أن تتقبلني، أن تتعلم كيف تتعامل معي.”


الدموع بدأت تتجمع في عيني، شعور بالندم والحزن غمرني. “لكنني كنت أعتقد أنني أستطيع أن أكون أفضل دونك. لقد حاولت أن أكون قويًا. لقد اعتقدت أنني إن تخليت عنك، سأتمكن من البدء من جديد.”


“ولكن ماذا لو كانت القوة الحقيقية تأتي من تقبل كل جزء منك، بما في ذلك تلك الأجزاء التي تخاف منها؟” جاء الصوت، هذه المرة بلطف. “تجنبك لي لن يحل المشكلة. فالمشاعر التي ترفضها تتزايد، وتتراكم، مما يجعلك أكثر ضعفًا.”


تدريجيًا، بدأت أدرك شيئًا عميقًا. كانت كل تلك اللحظات التي دفنتها، كل تلك الذكريات المؤلمة، هي ما شكلتني. عشت في فقاعة من الإنكار، لكن تلك اللحظة كانت دعوتي للاستيقاظ. لا أستطيع الاستمرار في الهروب.


“ماذا أفعل إذن؟” سألت بوضوح أكثر، والإجهاد واضح في صوتي. “كيف يمكنني أن أقبل بك؟”


“ابدأ بمواجهة ما تخاف منه،” جاء الرد، صوته الآن أكثر هدوءًا. “تحدث عن مشاعرك، اكتبها، دعها تتدفق. لا تحاول كبتها، بل دعها تُخرجك من الظلام. اجعلني جزءًا من قصتك.”


شعرت بشيء ينكسر في داخلي، جدار الصمت الذي بنته حول نفسي بدأ في التصدع. “لكني خائف،” اعترفت. “أخاف من الألم، من الذكريات التي كانت مروعة.”


“الألم جزء من الحياة،” قال الصوت. “لكن تخطيه هو ما يجعلك قويًا. سأكون هنا لأساعدك في هذا. لا يجب أن تواجه ذلك وحدك. دعني أكون صوتك في هذه الرحلة.”


مع تلك الكلمات، شعرت بسلام غريب يتسلل إلى قلبي. لم يعد ذلك الانعكاس مخيفًا كما كان من قبل. بل كان مرآة تعكس حقيقة كنت أحتاج إلى رؤيتها.


“أعدك،” قلت ببطء، “سأحاول. سأكون صادقًا مع نفسي، وسأواجه كل ما أخفيته. سأعمل على قبول كل جزء مني، حتى لو كان مؤلمًا.”


مع تلك النية القوية، بدأت المرآة تهتز من جديد، ولكن هذه المرة بطريقة مختلفة. بدأت تضيء بشكل خافت، وكأنها تبارك هذه الخطوة الأولى نحو الشفاء.


“تذكر،” قال الصوت بلطف، “أنني جزء منك، وبدون قبولك لي، لن تكون قادرًا على تحقيق السلام. دعني أكون دليلك في هذه الرحلة.”


ثم، في لمحة، تحولت صورة الانعكاس إلى صورة واضحة، وجه يظهر القوة والحنان، وكان يشبهني بطريقة مدهشة. شعرت بأن شيئًا قد تغير داخلي. كان هناك أمل، وكان هناك طريق أمامي.


“شكرًا لك،” همست، وأنا أبتعد عن المرآة. “شكرًا لك على هذا.”


تدريجيًا، أغلقت الباب خلفي، وكأنني أغلقت فصلًا من حياتي. شعرت أنني مستعد للبدء من جديد، مع قبول كل جزء مني، مع اعتراف بأن الألم جزء من التجربة، ولكنه ليس النهاية. بل هو بداية جديدة، بداية رحلة نحو الشفاء الذاتي.


وعندما أغلق الباب، كان الهواء في الغرفة أخف، وكأن شيئًا ثقيلًا قد رفع عن صدري. كنت أعلم أنني سأواجه الصعوبات، لكنني لن أكون وحدي، لأنني أملك الآن القوة لقبول كل ما في نفسي.


بعد أن أغلقت الباب، شعرت بشيء مختلف في الأجواء. كان هناك شعور بالتحرر، وكأن ضغوط الماضي بدأت تتلاشى. تملكني إحساس بالهدوء والثقة، وكأنني خضت معركة داخلية وانتصرت أخيرًا.


توجهت إلى الغرفة المشرقة التي أعتدت الجلوس فيها لأقرأ أو أكتب. جلست على الأريكة، حيث كانت دائمًا ملاذي من العالم الخارجي. لكن هذه المرة، كان لدي شيء مختلف لأفعله. بدلاً من الهروب من مشاعري، قررت أن أواجهها.


فتحت دفتر ملاحظاتي، وبدأت أكتب. “اليوم، بدأت رحلة جديدة. أريد أن أقبل كل جزء من نفسي، بما في ذلك مشاعري المؤلمة.” مع كل كلمة، شعرت بأنني أحرر جزءًا من نفسي كان محاصرًا لفترة طويلة. كنت أكتب عن مخاوفي، عن الألم الذي شعرت به في تلك الليلة المظلمة، وكيف أن تلك الذكريات لم تعد تخيفني كما كانت من قبل. بل على العكس، أصبحت جزءًا من هويتي.


كلما كتبت، كانت الأفكار تتدفق. تذكرت اللحظات التي جعلتني أشعر بالضياع، وتلك اللحظات التي جعلتني أبحث عن القوة في أماكن خاطئة. لكنني الآن كنت أرى الأمور بوضوح. كنت أدرك أن تلك التجارب، رغم صعوبتها، شكلتني وجعلتني الشخص الذي أنا عليه اليوم.


ثم تذكرت صديقتي التي ابتعدت عني. قررت أن أكتب لها رسالة. “عزيزتي، أنا آسفه إذا كانت هناك مسافة بيننا. أريدك أن تعرفي أنني هنا إذا كنت بحاجة إليك، وأنا مستعد للاستماع. أتمنى أن نتمكن من التحدث قريبًا.”


أغلقت دفتر ملاحظاتي وأخذت نفسًا عميقًا. شعرت بالتحرر، وكأنني أستعيد شيئًا مفقودًا. لم أعد أختبئ خلف دروع الخوف والإنكار. كنت مستعدًا لمواجهة العالم، ومع ذلك، كنت أدرك أن ذلك سيستغرق وقتًا وصبرًا.


مرت أيام، وكنت أمارس هذا الاتصال الذاتي بانتظام. أصبحت الكتابة جزءًا من روتيني اليومي. كنت أكتب عن مشاعري، أفكاري، وأحيانًا، حتى أحلامي. كان القلم بمثابة ملاذي، يحررني من القيود التي فرضتها على نفسي.


ثم جاء اليوم الذي تلقيت فيه ردًا من صديقتي. كانت كلماتها مليئة بالحنان والود. “شكرًا لك على رسالتك، أنا أقدر حقًا أنك تواصلت معي. كنت أحتاج لهذا. لنأخذ بعض الوقت لنتحدث.”


شعرت بفرحة تغمرني. كانت هذه خطوة جديدة نحو إعادة بناء علاقاتي. كانت تذكيرًا بأن الفهم والرحمة يمكن أن يقوما بتجديد الروابط، حتى بعد الفراق.


في ذلك اليوم، شعرت بأنني أستطيع فعل أي شيء. عرفت أنني كنت أملك القوة التي كنت أبحث عنها. كانت القوة في تقبل مشاعري، في مواجهة الألم، وفي السماح لنفسي بأن أكون ضعيفًا أحيانًا.


بدأت أرى العالم بطريقة مختلفة. الأمور التي كانت تسبب لي القلق في الماضي بدت أقل تأثيرًا. كنت أستطيع الآن مواجهة تحدياتي بوضوح، ومع كل خطوة أتناولها، كنت أستعيد المزيد من ثقتي.


في تلك الليلة، جلست أمام المرآة مجددًا. هذه المرة لم يكن هناك خوف، بل كان هناك قبول. “أنت جزء مني،” قلت للانعكاس. “وأنت مهمة. سنعمل معًا الآن.”


أخذت نفسًا عميقًا وشعرت بشيء جديد. لم يكن الأمر مجرد قبول للألم، بل كان احتضانًا للحياة بكل ما فيها. كنت مستعدًا لمواجهة الأيام القادمة، ومع كل خطوة، كنت أتحول إلى النسخة الأفضل من نفسي.


ولم أعد أخاف من الطرق على الباب، لأنه لم يكن هناك أي شيء مخيف في داخلي بعد الآن. بل كان هناك أمل، شجاعة، ورغبة في الاستمرار في التعلم والنمو. كانت تلك هي البداية الحقيقية، بداية جديدة.

تعليقات

مرآة الأسرار: رحلة نحو النور

مرآة الأسرار: رحلة نحو النور

لا تخافي يا بنتي