رسالة من عصفور
استيقظتُ على وقع نقراتٍ خفيفة على شباك غرفتي، وكأن العصفور قد أتى يحمل رسالة من عالمٍ آخر. كانت الساعة قُبيل الفجر، والهدوء يخيّم على المكان، فلم يكن هناك صوت سوى ذلك النقر الرقيق الذي تكرر عدة مرات. شعرت بالفضول وأسرعتُ نحو النافذة، فتحتُ الشباك ببطء، ليطل عليّ طائر صغير بألوان زاهية، وكأنه يتوهج في ضوء الفجر الأول.
بدأ العصفور بالزقزقة بطريقة ساحرة لم أسمعها من قبل، كانت نغماته خفيفة، كأنها موسيقى نسجها خصيصًا لتلك اللحظة. شعرتُ أنني في حلم، وأن هذا الطائر الصغير جاء لينقل إليّ شيئًا، ربما رسالة سلام أو طمأنينة. لم أتمكن من فهم كلماته، لكن نغماته كانت كافية لتبعث في نفسي إحساسًا بالسكينة والفرح.
وقفتُ هناك في صمت، مستمعةً لزقزقته الرنانة، وكأنني أستمع لأغنيةٍ قديمة تداعب روحي وتعيد إليها الحياة. كانت لحظة سحرية بكل تفاصيلها، ملأتها بهجة خفية كأنها هدية من السماء. بعد أن أنهى نغمته، حرك جناحيه الصغيرة بخفة، وكأنه يودعني، ثم طار بعيدًا نحو الأفق، تاركًا خلفه ذكرى لا تُنسى وابتسامة ترتسم على وجهي.
شعرتُ بعد رحيله بطمأنينة وسلام يغمرانني، وكأن هذا العصفور كان رسولا للخير، يُذكرني أن للحياة جمالا في أبسط تفاصيلها، وأن الفجر يحمل معه دائمًا بداية جديدة وأمل جديد.
جلستُ بعدها للحظات أمام النافذة، أراقب السماء التي بدأت تتلوّن بأول خيوط الصباح، وشعرت أنني جزءٌ من هذا الكون المتناغم، وأن ذلك العصفور كان يحمل حكمة خفية، دعوة للتأمل في الحياة والبدايات. لم يكن مجرد طائر عابر؛ كان رسالة تُذكرني ببهاء التفاصيل الصغيرة التي تضيع وسط انشغالات الحياة اليومية.
مع كل نفس أخذته وأنا جالسة أمام تلك النافذة، أحسست أنني أتنفس سلامًا جديدًا، شعورًا لطيفًا بكون الحياة مليئة بالأشياء التي تغذي الروح إن فتحنا قلوبنا لها. في تلك اللحظة، قررتُ أن أحتفظ بهذا الشعور، أن أُبقي ذلك العصفور الصغير في ذاكرتي كتذكار، يعيد إليّ الصفاء كلما اشتدت عليّ ضغوط الأيام.
عدت إلى سريري، لكن هذه المرة بنفسيّة مختلفة؛ فقد حملت في قلبي عذوبة الزقزقة التي سمعتها، وقررت أن أبدأ يومي بامتنان للحياة، ولقوة البدايات الصغيرة، لتلك الرسائل الهادئة التي قد تأتي أحيانًا من حيث لا نتوقع. كان صباحًا بسيطًا، لكنه غير عادي، وكأن العصفور الذي زارني فجراً قد ترك لي هدية ثمينة: عيوناً ترى الجمال في كل شيء، ونفسًا مطمئنة تعرف أن الحياة أحيانًا تختار أن تتحدث إلينا بلغة الطيور.
تعليقات
إرسال تعليق