عندما يبوح القلب

 عندما يبوح القلب


حديث الروح الصامتة

في أعماق كل منا، هناك قلبٌ يحمل أسرارًا لا تُقال، ومشاعر لا تجد طريقها إلى الكلمات. ذلك القلب الذي ينزف دون أن يراه أحد، ويحب بصمت، ويعاني بصبر، ويتوق إلى أن يفصح عمّا يعتمل فيه من أفراحٍ وأحزان. لكن، لو أُتيحت الفرصة لهذا القلب أن يبوح، فماذا عساه أن يقول؟


سيقول: “لقد تعبت”

تعبت من حمل الأثقال وحدي، من أن أكون القوي في كل وقت، من الجروح التي حاولت تجاوزها مرارًا وتكرارًا. تعبت من محاولات الابتسام حين ينكسر العالم من حولي. قد يخبرنا القلب أنه يحتاج إلى استراحة، إلى لحظة يُعانق فيها ضعفه بلا خجل، ويستسلم قليلاً ليجمع شتاته.


سيقول: “أنا أشتاق”

أشتاق للأوقات البسيطة، للأيام التي لم يكن فيها شيء سوى الحب النقي، للأحلام البريئة التي رافقت طفولتي. أشتاق لمن كانوا سندًا ورحلوا، ولأحلام خُبئت في أدراج النسيان. أشتاق للحظات الصدق التي فيها كان كل شيء واضحًا وصافيًا، بلا خداع أو تزييف.


سيقول: “أنا أحتاج إلى الحب”

الحب الذي يُنعشني ويجعلني أقوى، حبٌ بلا شروط ولا مقابل. حبٌ يشعرني أنني مقبولٌ كما أنا، بكل عيوبي وأخطائي. ليس ذلك الحب المثالي الذي نجده في القصص، بل حبٌ حقيقي يُبنى على فهمٍ عميق واحتواء دافئ، يجعلني أشعر أنني جزء من شيء أكبر مني.


سيقول: “لماذا لا تراني؟”

ألا ترى احتياجي للاهتمام؟ ألا ترى صراعاتي الداخلية؟ ألا ترى كيف أخفي حزني خلف الابتسامة، وأخفي شوقي خلف الكبرياء؟ لماذا تتركني وحدي في معركة الصمت؟ لماذا لا تأخذ بيدي وتنصت لي دون حُكم، فقط تُنصت، لأشعر أنني مرئي ومحسوس.


سيقول: “أنا ممتن لكل ما مررت به”

رغم الألم، رغم الخسارات، هناك امتنانٌ يسكنني. كل جرح علمني درسًا، وكل وداعٍ جعلني أقوى. لقد جعلتني الأيام أدرك قيمتي الحقيقية، وأعلمني التجارب أنني أقوى مما ظننت. نعم، هناك حزنٌ مختلط بالامتنان، لكني أختار أن أرى الضوء وسط الظلام.


سيقول: “أنا أتغير وأحتاج أن تفهمني”


لم أعد كما كنت، تغيرتُ مع الوقت، وتعلمتُ كيف أحب نفسي وأحترم حاجاتي. أنا لم أعد ذلك القلب الساذج الذي يُعطي بلا حدود، بل أصبحت أحتاج إلى التوازن، إلى حدود تحميني. أتمنى أن تتفهم أنني بحاجة إلى أن أكون أولويتي، وأنني لن أسمح لأحد بأن يُطفئ نوري مرة أخرى.


سيقول: “دعني أعيش بسلام”


دعني أتحرر من قيود التوقعات، ومن ضغوط المثالية. أريد أن أعيش كما أنا، بروحي الحرة التي تتطلع إلى الفرح والبساطة، دون أن تُقيدها أفكار الآخرين أو قيود المجتمع. أريد أن أعيش لحظاتي بصدق، وأشعر أنني لست بحاجة لأن أُثبت شيئًا لأحد.


ختام الحديث: “كل ما أحتاجه هو أن تسمعني”


في النهاية، لن يطلب القلب سوى أن يجد من يسمعه، من يتوقف للحظة ليفهمه، من يمنحه الشعور بأنه ليس وحده في هذه الرحلة. ليس من الضروري أن تقدم حلولًا أو نصائح، كل ما أحتاجه هو أن تُصغي لي، أن تتيح لي مساحةً لأكون أنا، دون خوف أو حرج.


عندما يبوح القلب، هو لا يطلب الكثير، إنه فقط يبحث عن سلام داخلي، وعن شعور بالحب والقبول. هو صوتٌ صغير، لكنه يحمل الكون بأسره، وكلما أجدنا الإنصات له، اكتشفنا كم هو غني وجميل، كم يحمل من الشغف والأمل، وكم هو قادرٌ على البدء من جديد مهما كانت الجراح عميقة.

تعليقات

مرآة الأسرار: رحلة نحو النور

مرآة الأسرار: رحلة نحو النور

لا تخافي يا بنتي