لا تصدر أحكامك على الآخرين دون أن تعرف القصة الكاملة التي عاشوها، أو الظروف التي دفعتهم نحو طريقٍ قد يبدو خاطئاً في عينيك.
قد ترى شخصاً يكرر أخطاءه، أو يختار قرارات قد تبدو غير منطقية، وقد تميل للحكم عليه بسهولة. لكنك لا تعرف ما قد يكون قد مر به من تجارب وضغوطات، أو ما قد عايشه من ألم أو خوف دفعه لتلك الخيارات. أحياناً، الناس تُحاصر في زوايا ضيقة، بين شباك من الظلال، يشعرون أنهم لا يملكون خيارات أخرى، وأن قراراتهم هي محاولات للنجاة، وليست ترفاً للاختيار.
فكر في أنك تنظر من بعيد إلى صورة لم تُكتمل تفاصيلها، ترى أطراف الحكاية دون أن تعايش عمقها. لا أحد يعرف حقاً مدى الثقل الذي يحمله غيره، ولا الدروس التي اجتهدوا في تعلمها، رغم العثرات. أحياناً، تكون المظاهر خادعة، وتلك الخيارات التي تبدو سهلة في نظر الآخرين، قد تكون معقدة وثقيلة لمن يمر بها.
تعلم أن تضع نفسك في مكانهم، أن تستمع قبل أن تحكم، أن تمنح مساحة للتفهم قبل أن تقسو بأفكارك. ربما خلف كل موقف أو اختيار غير مفهوم، قلبٌ تعب من التردد، وعقلٌ أنهكه التفكير، وروحٌ تحاول جاهدة أن تجد طريقها في ظلامٍ قد لا نراه.
أن تمنح الآخرين التعاطف الذي يحتاجونه، هو أن تكون مرآة للرحمة التي نتمنى أن نلقاها نحن أيضاً في لحظات ضعفنا.
أحياناً، في تعاطفنا مع الآخرين، نكتشف جانباً جديداً من الإنسانية بداخلنا، وكأننا نتعلم أن الرحمة ليست ضعفاً بل قوة تفتح لنا أبواباً لم نكن ندرك وجودها. قد تجد أن الشخص الذي ظننته أضعف مما يستحق قد تحمل في قلبه من الصبر والشجاعة ما يفوق التصور.
ربما هو في خضم معركة داخلية لا تراها، بين ألمٍ يعصر قلبه وأملٍ ضئيل يحاول التمسك به. قد يمر بأيامٍ يشعر فيها أن الأحلام تتساقط حوله كأوراق الخريف، ومع ذلك، كل يومٍ، يقوم ويستمر. ترى في عينيه شيئاً من الحزن، لكنه يمضي، يتعثر تارةً ويقف أخرى، في مسارٍ مليء بالشوك، لكنه ماضٍ فيه لأنه لا يرى سبيلاً آخر.
في هذه اللحظات التي تقترب فيها من فهم رحلة شخصٍ آخر، تتسع رؤيتك للعالم وللناس من حولك. تصبح أكثر هدوءاً في أحكامك، وأكثر صبراً في تقبل اختلافهم. تدرك أن كلٍ منا له عالمه الداخلي، مليء بالأسئلة التي يبحث عن إجاباتها، ولحظات السقوط التي يحاول النهوض منها، وأحلام قديمة يحاول إحياءها رغم كل شيء.
والأهم من ذلك، أنك حين تنظر بعين الرحمة، تصبح أنت أيضاً أعمق وأقوى. تتعلم كيف تكون سنداً، وكيف تقدم الدعم لمن يحتاجه، حتى لو كان دعماً صامتاً، مجرد ابتسامة، أو كلمة مشجعة، أو حتى تواجدٍ صامت يشير إلى أن هناك من يفهم.
في النهاية، كل منا يسير في طريقه الخاص، متحاملاً على مشاعره، محاولاً صنع عالمٍ أفضل لنفسه، وقد تكون الرحمة التي نقدمها للآخرين هي النور الذي يحتاجونه في أكثر لحظاتهم ظلمة. تذكر أن الحكم لا يحتاج شجاعة، لكن الفهم والتعاطف يتطلبان منا الكثير من الصبر والقوة، فكن أنت من يضيء درباً في حياة شخصٍ آخر، دون أن تطلب شيئاً في المقابل، فقط لأنه يستحق ذلك الضوء في لحظته الصعبة.
تعليقات
إرسال تعليق