رحلة في الحديقة

 في إحدى الحدائق، وأنا أتجول بين الأشجار، لفت نظري مجموعة من الأطفال يلعبون، ودوي ضحكاتهم يملأ المكان. وقفت أتأملهم، ما أروعه من منظر! كانت ألوان ملابسهم الزاهية تتمايل مع حركتهم، وكأنهم يرقصون على أنغام سعادتهم.


بعد لحظة من الانبهار، عدت للمسير، وبدأت أستمتع بجمال الطبيعة من حولي. تأملت الفراشات وهي تحوم حول الأزهار، كأنها تهمس في أذنها بسر لا يفهمه سواها. كانت تتنقل بين بتلات الورد، وكأنها تبحث عن رحيق ينعش روحها.


أخذت نفسًا عميقًا، شعرت بعبير الأزهار يداعب أنفي. كلما اقتربت من الأزهار، ازدادت ألوانها سطوعًا، وكأنها تتباهى بجمالها. كانت لحظة سحرية، كل شيء فيها كان يفيض بالحياة.


بينما كنت أتحرك، جذب انتباهي شجرة كبيرة، أغصانها تمتد في كل اتجاه وكأنها تحتضن السماء. جلست تحت ظلها، وفكرت في مدى روعة الحياة في تلك اللحظة. كأن الزمن قد توقف، وكنت جزءًا من تلك الصورة الكاملة.


استمعت إلى زقزوق العصافير، الذي كان ينسجم مع ضحكات الأطفال، وتذكرت أيام طفولتي. كيف كانت الحياة بسيطة وجميلة، وكيف كنت ألعب تحت نفس هذه الأشجار.


في تلك اللحظة، أدركت أن الطبيعة تحمل في طياتها دروسًا عميقة. علمتني أن الفرح يكمن في التفاصيل الصغيرة، في لحظات البهجة التي نعيشها يوميًا. وأنه مهما كانت الحياة معقدة، لا بد أن نأخذ وقتًا للتأمل والاستمتاع بجمال العالم من حولنا.


ومع ذلك، لم أستطع مقاومة الرغبة في مشاركة تلك اللحظات مع الآخرين. تمنيت لو أستطيع التقاط هذه اللحظات الجميلة وحفظها، كذكريات أعود إليها في أوقات الشدة. قررت أن أكتب ما رأيته، لأبقي تلك الذكريات حية في ذاكرتي، وأشجع الآخرين على تقدير جمال الحياة حولهم.


وبينما كنت أغرق في أفكاري، شعرت بسعادة غامرة، وكأنني قد اكتشفت سرًا من أسرار الحياة. ابتسمت، وقررت أن أستمتع بكل لحظة، لأن الحياة، كما رأيتها اليوم، تستحق كل احتفال بالألوان والضحكات واللحظات الصغيرة التي تتشكل في كل يوم جديد.

عدتُ من تأملاتي تحت الشجرة الكبيرة، ورغبتُ في أن أشارك الأطفال فرحتهم. اقتربتُ منهم، ووجدتهم يلعبون لعبة “الغميضة”. انطلقت ضحكاتهم وكأنها تتناغم مع زقزوق العصافير، وقلوبهم الصغيرة تفيض بالحياة.


قررت الانضمام إليهم، وفي البداية نظروا إلي باستغراب، لكنهم سرعان ما احتضنوا وجودي. انضممتُ إلى اللعبة، وأخذتُ دور “الذي يغلق عينيه” لأعدّ. بينما كنتُ أُغمض عيني، بدأت أعدُّ حتى عشرة، وكان قلبي ينبض بحماس كأنني طفل صغير.


عندما فتحت عيني، كانت الحديقة مليئة بالحركة والضحك. لم أستطع منع نفسي من الابتسام عندما رأيتهم يختبئون خلف الأشجار والأزهار، مختبئين ببراءة، وكأنهم يحاولون جاهدين عدم الظهور. انطلقتُ أبحث عنهم، وكانت اللحظات مليئة بالإثارة.


في أثناء اللعبة، رأيت أحد الأطفال يضحك بصوت عالٍ، وكان يختبئ خلف شجرة صغيرة. أردت أن أكون ذكيًا، فذهبت إليه وأخفيت نفسي خلف تلك الشجرة. وما إن اكتشفني حتى انفجرنا ضاحكين معًا، وكأن تلك اللحظة كانت مليئة بالسحر.


بعد عدة جولات، استلقيتُ على العشب الأخضر، أشعر بالراحة والتواصل مع الطبيعة. رأيتُ الفراشات تتراقص حول الأزهار مرة أخرى، ورحتُ أتابعها بعيني. كل واحدة منها كانت تحمل قصة خاصة بها، وكأنها تحمل أسرار الحياة.


تدريجيًا، بدأت أفكر في معنى البساطة. كيف يمكن لفرحة الأطفال ولعبة بسيطة أن تعيد لي شغف الحياة؟ كيف يمكن لتلك اللحظات العابرة أن تترك أثرًا عميقًا في قلبي؟


فجأة، انقطع تفكيري على صوت أحد الأطفال. جاء إليّ وأخبرني أنه يحب لعبة “الغميضة” لأنها تجعلهم يشعرون بالسعادة. أجبتُه بابتسامة: “نعم، السعادة تكمن في اللحظات التي نعيشها معًا، وفي بساطة اللعب.”


استمر اليوم في إضفاء البهجة على قلبي. ومع غروب الشمس، اجتمع الأطفال حولي، وطلبوا مني أن أروي لهم قصة. شعرت بشعور رائع، كأنني انتقلت من دور اللاعب إلى دور الراوي.


بدأت أروي لهم قصة عن مغامرات الأبطال، وكيف يمكن للشجاعة والصداقة أن تتغلب على كل التحديات. كانوا يجلسون حولي بعيون متسعة وقلوب مفتوحة، وكانوا ينظرون إلي بشغف. وفي تلك اللحظة، أدركت أنني قد وجدت ملاذي في تلك الحديقة.


عندما انتهيت من القصة، كانت ضحكاتهم تتعالى، وطلبوا المزيد. وعندما غادرت الحديقة، كان قلبي مليئًا بالشكر. شكرًا للطبيعة، وشكرًا للأطفال الذين أعادوا لي شغف الحياة.


عزمت على العودة مرة أخرى، لأستمتع بلحظات من الضحك، والحب، والتواصل. فقد أدركت أن الحياة مليئة بالعجائب، وأن السعادة تكمن في اللحظات البسيطة التي نتقاسمها مع الآخرين، وبأن كل حديقة، وكل شجرة، وكل زهرة تحمل في طياتها سرًا من أسرار السعادة.


وهكذا، أصبح كل زيارة للحديقة بداية جديدة. كل مرة كنت أذهب فيها، أكتشف شيئًا جديدًا، أو أتعلم درسًا عن الحياة. وبفضل تلك الضحكات والألوان، أصبحت الحديقة ليست مجرد مكان للراحة، بل صارت مكانًا لأجد فيه نفسي، وأعيد اكتشاف معنى الحياة.

فاطمة اسكندراني

تعليقات

مرآة الأسرار: رحلة نحو النور

مرآة الأسرار: رحلة نحو النور

لا تخافي يا بنتي