تخيلت اني جالس في حديقة هادئة في الصباح الباكر، والضوء الناعم للشمس يلامس الزهور بلطف. أمامي زهرة رقيقة عليها قطرات ندى تتلألأ وكأنها دموع صغيرة. بتامل تلك القطرات وافكر في تلك الزهرة كأنها كائن حي يحمل مشاعر وهموم، فقتربت وسالتها بهدوء:
“يا زهرة، أهي دموعك؟ أتبكين؟”
فتجيب الزهرة بلطف وكأنها تعبر عن حالها:
“لست أبكي كالبشر، ولكنني أعانق هذه القطرات كذكرى للحظات الصباح الباكر، حينما تلامسني الحياة بهدوء وتغمرني بروعتها. قطرات الندى ليست دموعًا حزينة، بل هي نداء الفجر ليخبرني أن يومًا جديدًا قد بدأ، وأن الحياة مستمرة في تدفقها. أحيانًا، يا عابر السبيل، تُشبه الدموع ولكنها تحمل في طياتها أملًا وانتعاشًا لا يُرى إلا إذا نظرت بعمق.”
ثم اتسال ، مستلهمًا من هذا الرد:
“وهل تجدين في كل يوم جديد ما يجعل تلك القطرات تضيء؟ أليس هناك ما يُثقل قلبك؟”
فتفول الزهرة:
“في كل صباح، قد تأتي الرياح وتحمل معها تحديات جديدة. قد يُسقط أحدهم ورقة من أوراقي أو تُطفئ الشمس حماستي لوهلة. ولكن مع كل قطرة ندى، أتذكر أن الحياة تمنحني فرصة للنمو من جديد، لأفتح بتلاتي وأستقبل النور مرة أخرى، كما تفعل أنت في لحظات الألم حينما تختار أن تبتسم رغم كل شيء.”
انظر إليها بابتسامة، واتامل تلك القطرات التي اراها الآن كرمز للتجدد، واهمس:
“يا زهرتي، دموعك إذن، ليست حزينة، بل هي جزء من أغنية الحياة التي تعلمنا كيف نواصل النمو رغم الصعوبات.”
وهكذا، مع نهاية المناجاة، تشعر بالسلام الداخلي وانا اعلم أن الحياة تستمر مثل تلك الزهرة، التي تحمل قطرات الندى كذكريات للفجر وتجدد لكل صباح.
وتجلست مستغرقًا في تفكيري وقد بدأت ارى في قطرات الندى التي تزين الزهرة رمزًا لرحلة الحياة نفسها—كل قطرة مثل لحظة عابرة، تحمل مشاعر متنوعة. فتعود وتسأل الزهرة مرة أخرى، وكأن بيننا حديث لم يكتمل:
“ولكن يا زهرتي، ألم تشعري أبدًا بالخوف من المستقبل؟ من الأيام القادمة التي قد تحمل رياحًا قاسية أو جفافًا قد يسرق منك هذه القطرات التي تمنحك الحياة؟”
فتبتسم الزهرة في صمت وكأنها تفهم ما يجول في ذهنى ، ثم تجيب بنبرة حكيمة:
“الخوف؟ قد يمر عليّ كما يمر على الجميع. أحيانًا تهب الرياح فتطيح ببعض أوراقي، أو ينتهي يوم لم أستطع فيه التقاط ما يكفي من ضوء الشمس. ولكنني لا أخاف من المستقبل، لأنني أعرف أنني جزء من دائرة أكبر، من حياة تدور دون توقف. أنا لا أقاوم التغيير، بل أقبله كجزء من وجودي.”
انظر إلى الزهرة وانا افكر في كلماتها، واتامل في فكرة قبول التغيير وكيف أن الزهرة تعيش في سلام مع نفسها رغم ما تواجهه من تقلبات. فتسألها:
“لكن، كيف تتعايشين مع ما تفقدينه؟ كيف تتقبلين ما يسلبك بعضًا من جمالك؟”
تجيب الزهرة بلطف:
“الجمال لا يُقاس بما أفقده أو أحتفظ به، بل بما أستطيع أن أعيشه في لحظتي الحالية. كل بتلة تسقط، وكل قطرة ندى تتبخر، هي جزء من رحلتي. ومهما بدا أنني أفقد شيئًا، فإنني في الحقيقة أكتسب شيئًا جديدًا—درسًا من الرياح، أو حنانًا من ضوء الشمس. ألمس الأبدية في كل لحظة، وأفهم أن ما يبدو فناءً هو في الواقع ولادة جديدة.”
تأثرت بكلمات الزهرة، وكأنها تعيد تعريف معنى الفقد والجمال في حياتك. فتنظر حولك إلى الحديقة التي تتنفس بهدوء وتفكر في حياتك، وكيف أن التغيير ليس سوى جزء من مسيرتك، مثلما هو جزء من حياة الزهرة.
فسال الزهرة مرة أخرى، كانني ابحث عن آخر بصيص من الحكمة:
“هل تشعرين بالوحدة عندما تختفي القطرات ويذهب النسيم؟”
تجيبني الزهرة برقة:
“لا، لأنني جزء من كل شيء حولي. كل ورقة شجر، كل زهرة مجاورة، حتى الأرض التي أمتد فيها بجذوري، نحن جميعًا متصلون. أتعلم، حتى عندما تبدو الحياة قاسية، أدرك أنني لست وحدي، وأنني دائمًا جزء من نسيج الكون الذي يربطنا جميعًا.”
فاجلس متأملًا هذه الحقيقة، وادوك أن الوحدة التي كنت تشعر بها أحيانًا ليست إلا وهمًا، وأني مثل الزهرة، متصل بكل شيء حولي وبالطبيعة، بالناس، وبالحياة ذاتها. قطرات الندى التي كنت تراها كدموع تحولت إلى رموز للتجدد والارتباط.
وفي تلك اللحظة، شعرت بأني فهمت شيئًا عميقًا—أن الحياة، بكل تقلباتها، تحمل بداخلها قوة أكبر من الفقد والخوف. وأني مثل تلك الزهرة، تستطيع أن تستمر في النمو والاستمتاع بكل لحظة، مهما كانت الظروف.
تعليقات
إرسال تعليق