لا تبقى أسير الألم

 شاهدني  القمر وأنا اتقلب في فراشي وتحت ضوءه الهادئ الذي يغمر الليل بهدوء وسكينة، كان لا بد أن يلاحظ تلك العتمة في قلبي ربما شعر بقلقي وربما لمس في صمت الليل همسي الداخلي وهمومي المتخفية. فهتف لي، بلغة لا يسمعها إلا من هو غارق في أفكاره: “مالك أيها الحزين؟” وكأنه يعرض عليي أن اشاركه ما يثقلني


القمر، الذي شهد آلاف الحكايات وآلاف الأرواح التي مرت تحت نوره، يسألني: “ما الذي يثقل روحك؟” فهو لا يضيء الليل فحسب، بل كأنه يضيء الزوايا المظلمة في قلوب البشر، ويسأل عن أحزانهم بصوت لطيف لا يزعج، ولكنه يصل إلى العمق.

حين هتف  القمر، كان كأنه يمد لي يداً خفية، يطلب مني أن يخفف من حملي ولو قليلاً. ربما عرف أن الأحزان، حين تكتم داخل النفس، تتحول إلى عبء ثقيل يصعب احتماله. القمر يدرك، بحكمته الصامتة، أن مشاركته لهذا الهم معه قد تكون بداية لتخفيف وطأته.


ربما كان يحاول أن يذكرني بأن الليل، رغم سواده، يحمل في طياته جمالًا وراحةً. كل شيء حولي  هادئ، النجوم تلمع بهدوء، والنسيم العليل يلامس وجهك. القمر يريدك أن تتذكر أن هذا الحزن، مهما كان ثقيلًا الآن، سيمر مع دوران الليل والنهار. مثلما يعبر القمر في السماء ويظهر كل ليلة بشكل مختلف، كذلك أحزانك تتغير مع الزمن.


إنه يقول : “لا تبقى أسيرًا للألم، فمثلما أنار ظلام هذا الليل، هناك ضوء في داخلك قادر على إنارة طريقك.” قد يكون القمر صديقًا في لحظات الحزن، لكنه لا يرغب أن تبقى طويلاً في تلك اللحظة. يدعوك لأن تنظر إلى الأعلى، إلى النور، وتتذكر أن الحياة تستمر، وأن الفجر قريب.وهكذا، بينما كان القمر يُكمل حديثه الصامت معك، ربما بدأت تشعر أن سؤاله ليس مجرد استفسار عابر، بل هو دعوة للتأمل. يدعوك أن تنظر إلى داخلك وتستخرج ما يجعلك تتقلب في فراشك بقلق. قد تكون أفكارك وأحزانك ثقيلة على قلبك، ولكن القمر يذكرك بأن الليل هو الوقت المناسب لتصفية العقل، لتأمل ما مرَّ في يومك، ولترك الأمور تمضي كما تمضي النجوم في السماء.


القمر، بضيائه الهادئ، يخبرك بأن الحزن جزء من دورة الحياة، مثل المد والجزر، مثل طلوعه واختفائه. يسألك: “لماذا تحزن وأنت جزء من هذا الكون الواسع؟ ألا ترى كيف تمضي الأمور بشكل طبيعي؟ كل شيء يتغير، فلا تجعل حزنك ثابتا بينما الحياة من حولك تتحرك.”


وربما في لحظة من لحظات هذا الحوار الصامت، تدرك أن القمر لا يسأل لتزيد همومك، بل ليخفف عنك. يريدك أن تتحدث – حتى لو كان ذلك حديثًا داخليًا مع نفسك – أن تواجه مخاوفك وأحزانك بدلًا من الهروب منها. كأن القمر يقول لك: “تحدث إليّ، أفرغ ما في قلبك، لأنك حين تبوح، حتى بصمتك، فأنت تبدأ في التحرر من ثقل الأحزان.”


وتحت ضوء القمر، قد تجد نفسك تتنفس بعمق، تشعر بخفة طفيفة، وكأن القمر حمل جزءًا من همك معه إلى السماء. تستلقي من جديد، وقد بدأت تفهم أن الليل يحمل في طياته ليس فقط الهدوء، ولكن أيضًا القدرة على التفكير بصفاء، على إدراك أن الحزن، مثل الليل، ينتهي حين يشرق الفجر.


ربما في ذلك الوقت، ستشعر بشيء من الراحة. حين يسألك القمر عن حزنك، فهو يذكرك بأنك لست وحيدًا في هذا الكون، وأن الطبيعة نفسها تعطيك الوقت لتجد الراحة والسلام داخل نفسك.

تعليقات

مرآة الأسرار: رحلة نحو النور

مرآة الأسرار: رحلة نحو النور

لا تخافي يا بنتي