خربشات القلم
خربش القلم على دفتري، وتركت له العنان ليكتب ما يشاء، فانطلق في رحلة لا حدود لها. بدأت الكلمات تتدفق كأنها تيار ماء عذب، يرسم ملامح أفكار تائهة ومشاعر مخفية. لم يكن هناك مخطط ولا قواعد، فقط إيقاع متناغم بين القلم والورق.
كتب عن أوجاع الماضي وأحلام المستقبل، عن لحظات الصمت الطويلة وضجيج الأيام السريعة. رسم تفاصيل لم أرغب في الحديث عنها، وأضاء زوايا مظلمة كنت قد نسيتها.
كان القلم رفيقي في تلك الرحلة، يحملني عبر سطور لم أكن أتوقع أن أسير فيها. كل حرف كان بمثابة خطوة جديدة نحو اكتشاف ذاتي، وكل جملة كانت مرآة تعكس ما في داخلي.
تسارعت خربشات القلم وكأنه يلهث للوصول إلى نهاية غير متوقعة. استمر في الكتابة، دون توقف، وكأن لديه قصة مستعجلة يريد أن يخبرها قبل أن يفقدها. رسم ذكريات كنت قد طمرتها في أعماق ذاكرتي، أخرجها إلى النور فجأة، بلا إذن، وكأنني كنت بانتظار هذه اللحظة طوال حياتي.
كتب عن الأصدقاء الذين غابوا، والأحلام التي طارت مع رياح الزمن. كل كلمة كانت تنبض بعمقٍ، وكأنها تعيدني إلى تلك اللحظات، أعيشها من جديد ولكن بنظرة مختلفة. ما أغرب القلم عندما يتحول إلى مرآة صادقة، لا يخفي شيئاً ولا يجمل الحقيقة.
ثم، فجأة، توقف القلم. ترك مساحة بيضاء وسط السطور المليئة بالكلمات، وكأنه يقول: “الآن دورك. انتهت رحلتي، لكن رحلتك أنت لم تنتهِ بعد.”
أخذت أنفاسي ببطء، أدركت أنني أمام لحظة فارقة. ما زالت المساحة البيضاء تتحداني، تدعوني لأملأها بما يدور في داخلي. من هنا، بدأت أفكر في كل ما كتبته. كل لحظة عشتها، وكل دمعة سقطت، وكل ضحكة تشاركتها مع الأصدقاء، تلك اللحظات التي جعلتني ما أنا عليه اليوم.
قررت أن أستغل تلك المساحة الفارغة. لماذا لا أكتب قصتي الخاصة؟ قصتي التي لم يكتبها أحد من قبل. بدأت أكتب عن الصعوبات التي واجهتها، كيف تجاوزت الفشل والخيبة، وكيف وجدت الأمل في أحلك الأوقات.
وكلما زادت الكلمات، شعرت بأن القلم أصبح جزءًا مني. كتب عن الحب الذي غمر قلبي في لحظات غير متوقعة، وعن الأمل الذي أحيا روحي عندما بدت الأمور مظلمة. كتبت عن النجاحات الصغيرة التي كنت أعتبرها غير مهمة، وكيف أن كل خطوة صغيرة كانت تمهد الطريق لما أنا عليه الآن.
أخيرًا، انتهيت من كتابة كلماتي، وتوقفت للحظة لأراجع ما كتبته. كانت الصفحات مليئة بالتجارب والدروس، تجسيدًا لرحلتي في الحياة. وكأنني فتحت بابًا مغلقًا منذ زمن، وجدت نفسي أستعيد القوة والثقة التي كنت أفتقدها.
وضعت القلم جانبًا وأخذت نظرة أخيرة على دفتري، وابتسامة رقيقة تتسلل إلى وجهي. لم يكن مجرد دفتر، بل كان مرآة لرحلتي. وفي تلك اللحظة، عرفت أنني لست وحدي، وأن كل كلمة كتبتها كانت بمثابة خطوة جديدة نحو التحرر من كل ما أثقل كاهلي.
قررت أن أستمر في الكتابة. ليس فقط في الدفتر، بل في حياتي أيضًا. سأكتب قصتي يومًا بيوم، سأجعل كل لحظة تستحق أن تُكتب، وسأحارب من أجل تحقيق كل حلم. فالقلم، بعد كل شيء، هو سلاحي، وورقتي هي سبيلي نحو الحياة التي أريدها.
تعليقات
إرسال تعليق