رحله الي الكون

 في لحظة من اللحظات العميقة، شعرت بأن الأرض لم تعد كافية لتحمل تساؤلاتي. لم تعد تكفي لاحتواء أفكاري وأحلامي، فأدركت أن رحلتي للبحث عن نفسي تحتاج إلى آفاق أوسع، تحتاج إلى الصعود نحو الكون. وهكذا بدأت رحلتي إلى الأعالي، ليس فقط لاكتشاف النجوم والكواكب، بل لاكتشاف أعماقي ومعرفة حقيقتي. 


في تلك اللحظة، أدركت أن ما كنت أبحث عنه لم يكن بعيدًا في السماء فقط، بل كان دفينًا في أعماق روحي. رحلتي إلى الكون لم تكن إلا انعكاسًا لرحلة داخلية أعظم، حيث تتلاقى تساؤلاتي مع الأبدية وتندمج أحلامي مع السحب العابرة. كنت أرتقي في كل خطوة نحو الأعلى، تاركًا وراءي قيود الأرض ووزنها، وكلما اقتربت من النجوم، شعرت بأنني أقترب من جوهري. كان الكون الواسع هو المرآة التي تعكس حقيقة نفسي، وما كنت أظنه بعيدًا، كان قريبًا في قلبي منذ البداية.


فأيقنت أن هذا الصعود ليس هروبًا من الواقع بل عودة إلى الذات، إلى الحقيقة التي لطالما كانت تنتظرني في الأعماق، خلف كل فكرة وكل تساؤل.


مع كل خطوة نحو الأعالي، شعرت وكأنني أتجاوز الحدود التقليدية للفهم. لم تعد الجاذبية الأرضية تسحبني نحو الأسفل، بل كان هناك نوع آخر من الجاذبية، أعمق وأقوى، يجذبني نحو الداخل. كان الكون الفسيح الذي أمامي يتقلص في عينيّ، ليصبح رمزية لكل ما هو أعظم، لكل ما لا يُرى بالعين المجردة ولا يُفهم بالعقل المحدود. أدركت أن النجوم التي كنت أتوق لاكتشافها في الفضاء الواسع هي رموز، إشارات لما هو في داخلي.


كلما صعدت أكثر، وجدت نفسي في مواجهة أسئلة أعمق. لم تكن تساؤلاتي حول العالم أو الوجود فحسب، بل أصبحت تساؤلات عن ماهيتي. من أنا؟ ما هو الهدف الحقيقي من وجودي؟ ولماذا أبحث دائمًا عن شيء خارجي، بينما الحقيقة تكمن في داخلي؟ في هذا الفضاء الرحب، كنت وحدي، لكن لم أشعر بالوحدة، بل شعرت بأنني جزء من شيء أعظم، شيء يتجاوز كل الحدود الجغرافية والزمنية.


بدأت أفهم أن هذا الصعود نحو الكون لم يكن عن اكتشاف الفضاء المادي فحسب، بل عن السمو الروحي. كانت هذه الرحلة رحلة تطهير، تفريغ لكل ما هو زائد عن حاجتي، لكل ما كان يثقل روحي بالأفكار المسبقة والخوف من المجهول. وكلما تركت خلفي هذه الأثقال، ازدادت وضوح الرؤية. أدركت أن الكون اللامتناهي الذي كنت أبحر فيه هو مرآة لنفسي: متسع، مليء بالأسرار، ممتلئ بالإمكانات.


في تلك اللحظات، تحررت من مفهوم الزمن. لم يعد الماضي عبئًا، ولا المستقبل لغزًا، بل كنت في الحاضر بكل كياني. الحاضر الذي يجمع بين ما كان وما سيكون، وبين ما هو موجود وما هو متوقع. شعرت وكأنني أتحرك على مسار يجمع بين النجوم والأرض، بين الروح والجسد. هذا المسار كان دائمًا موجودًا، لكنني لم أكن أراه بوضوح. والآن، بفضل هذا الصعود، بدأت أرى معالمه تظهر.


ثم، في نقطة ما، توقفت عن الصعود. لم يكن توقفًا بالجسد بل بالروح. أدركت أنني قد وصلت إلى حيث يجب أن أكون. لم يكن هناك المزيد لأبحث عنه في الخارج، لأن كل ما كنت أبحث عنه كان بداخلي. كان الكون الذي صعدت إليه هو صورة مجازية للعالم الداخلي، العالم الذي يحمل إجابات لكل الأسئلة، والأحلام التي كنت أسعى لتحقيقها.


في تلك اللحظة، شعرت بالسلام. لم تعد تساؤلاتي تملأ رأسي بالقلق، بل أصبحت مثل نجوم في سماء هادئة، تضيء لي الطريق دون استعجال. لم أعد أشعر بأنني بحاجة للبحث عن إجابات، لأنني أدركت أن الإجابة الحقيقية هي في رحلتي نفسها، في كل خطوة نحو الذات، في كل لحظة تأمل وصعود.


هكذا، كانت رحلتي نحو الكون ليست اكتشافًا للسماء والكواكب فقط، بل كانت اكتشافًا للأعماق التي في داخلي.


تعليقات

مرآة الأسرار: رحلة نحو النور

مرآة الأسرار: رحلة نحو النور

لا تخافي يا بنتي